رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

متطلبات المواطنة فى الجمهورية الجديدة

لاشك أن هناك مزايا عديدة لإطلاق اسم الجمهورية الجديدة على المرحلة التى تعيشها مصر الآن، ومن أهم هذه المزايا أنه يدفع نحو الالتفاف حول فكرة محددة، ويشجع الأفراد والجماعات على تغيير توجهاتهم وقيمهم لتتواكب مع أهداف البناء الجديد، مع إدراك الاختلاف بين الماضى والحاضر والقدرة على المقارنة بين مراحل مختلفة فى التاريخ المصري. ولكن هذه المزايا تطرح أمامنا فى الوقت ذاته مشكلات أو قضايا مهمة يجب أن نفكر فيها، وأن ننسج حولها أفكاراً لكى تنير أمامنا الطريق فى مرحلة البناء الجديد.

وتشكل قضية بناء المواطن قضية جوهرية فى هذا الصدد. ذلك أن نظريات بناء الأمم والحفاظ على استقرار نظمها وتكويناتها الجديدة تؤكد أن جوهر تكوين الأمة يرتبط بتكوين مواطنيها، وحشد دوافعهم وأهدافهم على طريق واحد، مع الاحتفاظ فى الوقت نفسه بتنوعهم الثقافى والفروق الفردية بينهم. كما تؤكد نظريات التنمية من ناحية أخرى أن الأساس فى تكوين البناء الجديد يرتبط بعمليات تغيير أنساق القيم والمعايير، وتكوين أرصدة مدنية حديثة من رأس المال الاجتماعى تعمل بمثابة الملاط الذى يحفظ للبناء تماسكه واستقراره. وعلى هذه الخلفية تحتل قضية المواطنة أولوية كبيرة فى تأسيس الجمهورية الجديدة. وتثير هذه القضية عدداً من الاعتبارات أو المتطلبات التى تؤسس لبناء مواطنة مدنية ذات بعد كونى حداثى قادرة على أن تواصل مسيرة بناء الجمهورية الجديدة والمحافظة على مكتسباتها.

ولعل نقطة البدء فى ذلك هو أن نفهم المعنى الأعمق لمفهوم المواطنة. فنحن بحاجة إلى أن نفهم المواطنة على أنها أكبر وأعمق من مجرد الانتماء الشكلى للوطن، أو الخضوع لمنظومة من الحقوق والواجبات فى ضوء الدستور والقانون. ذلك أن للمواطنة بعدا آخر لا يقل أهمية؛ فالمواطنة هى طاقة وجودية، بمعنى أنها طاقة فعل وعمل ونشاط تتأسس على دافعية قوية وأطر معيارية تعلى من شأن الواجب الأخلاقى والمسئولية الأخلاقية. المواطنة هنا ليست علاقة شكلية بالدولة، وإنما هى شبكة من العلاقات التى تؤسس للأفعال والأنشطة الإيجابية، وتستبعد الأفعال والأنشطة السلبية؛ إنها طاقة نفسية واجتماعية متدفقة، تتشابك مع متطلبات البناء وتبتعد عن أى صورة من صور الهدم.

ويدعونا هذا التعريف إلى فهم أهم الخصائص التى يجب أن تتوافر فى هذا النمط من المواطنة الفعالة النشطة، وأن نطور هذه الخصائص من أرض الواقع، أى من خلال قراءة لصور سلبية من المواطنة؛ قد تكون ظروف التغير العشوائى وغير المنظم أدت إلى انتشارها، بحيث نضع السمات السلبية فى مقابل السمات الإيجابية التى نأمل أن تسود فى الجمهورية الجديدة. ويمكن على هذه الخلفية أن نتحدث عن متطلبات أربعة أساسية لبناء المواطنة.

يرتبط المتطلب الأول بقضية الثقة العمومية: أى البعد عن الشك، والدخول فى علاقات مؤسسة على الثقة على المستوى الأفقى (التفاعل بين الأفراد والجماعات) وعلى المستوى الرأسى (التفاعل مع الدولة ومؤسساتها). تؤكد البحوث فى هذا الصدد أن معدلات الثقة منخفضة على العموم، وأنها تنخفض إلى حد كبير عند الإشارة إلى وظائف بعينها أو مؤسسات بعينها. ومن المعروف أن الثقة هى الدعامة الرئيسية فى رأس المال الاجتماعي، وهى اللحمة التى تشد الجسد الاجتماعى وتحقق تماسكه الداخلي، ولذلك فإن نقصها يهدد البناء الاجتماعى ويدفعه إلى الهشاشة والوهن. ويمكن فى ضوء هذا السياق أن نؤكد أننا بحاجة ليس فقط إلى المواطن النشط الذى يتجاوز حالة الخمول والسكينة، بل أيضاً إلى المواطن الواثق القادر على التفاعل الإيجابى مع محيطه الشخصى والمؤسسي.

ولا يمكن للثقة أن تكتمل إلا بمنظومة من «القيم العمومية»، أقصد القيم التى تنطلق من العدالة والمساواة، وتنظر إلى كل مواطن على أنه فرد حر له استقلاله ووجوده الشخصى والاجتماعى الذى لا يمس. ومثلما توجد مشكلات فى الثقة العامة، فإن ثمة مشكلات أيضاً فى الإيمان بالقيم العمومية. نصادف ذلك جلياً فى وجود أشكال من المحسوبية، وسوء استغلال السلطة، والتقوقع حول المصالح الشخصية. ونحن نتوقع أن تدفع الجمهورية الجديدة نحو تكوين المواطن الذى يعلى من القيم العمومية، التى تحركه نحو العمل من أجل المجموع ونحو تكريس الذات فى خدمة النحن، بل تمويت هذه الذات فى خدمة النحن إذا لزم الأمر.

وتذكرنا قضية العلاقة بين الذات والنحن بقضية الآخر الذى يجب احترامه وعدم فرض الوصاية عليه. ويدخلنا مثل هذا الكلام مباشرة إلى قضية التطرف والوصاية الدينية التى تنتهجها الجماعة الإرهابية وأضرابها من الجماعات التى تغالى فى استخدام الدين لتحقيق غايات سياسية وشخصية. ومن المعروف أن التطرف مفهوم استبعادى إقصائي، يتخفى خلف الأفكار الجامدة لينفى الآخر ويستبعده، بل يعمل على تدميره إذا ما بلغ التطرف مداه. ويتنافى هذا مع مفهوم المواطنة الواثقة التى تؤمن بالعيش المشترك القائم على الاحترام وسيادة القانون. وعلى هذا الأساس يكون القضاء على التطرف بكل أشكاله أحد المتطلبات الرئيسية فى التكوين المواطنى للجمهورية الجديدة.

وأخيرا فإن المواطن الواثق فى الجمهورية الجديدة لابد وأن يولى وجهه شطر الوطن فى مجموعه. وتلك قضية تكتسب أهميتها مما نراه من ميول نحو تفضيل الروابط الأولية الضيقة مثل العائلة والقرية والإقليم والدين، بطريقة تجعل الرابطة الوطنية الكلية تبهت أمام تدفق الروابط الأولية. وعلى الرغم من أن الروابط الأولية تعد روابط مهمة فى حياة الإنسان، ولكن اللحمة القوية للأمة لا تقوى إلا بالرابطة الوطنية الكلية. ولاشك فى أن هذه المتطلبات تعمل بشكل متكامل، وهى ضرورية فى مجموعها لتكوين نمط المواطنة الذى نسعى إلى أن يتبلور فى نسيج تفاعلات الحياة اليومية للجمهورية الجديدة، أقصد المواطنة كطاقة وجودية تتدفق بمزيد من الثقة والعدل والاندماج والتكامل الذى لا يلغى التنوع والاختلاف.


لمزيد من مقالات د. أحمد زايد

رابط دائم: