يرى عدد من الأصدقاء اللبنانيين أن التدهور المتزايد الآن فى اقتصاد بلدهم وأوضاعه الاجتماعية غير مسبوق حتى فى مرحلة الحرب الأهلية (1975 – 1990). ويقول أحدهم, فى سياق تعليقه على الاجتهاد المنشور فى 11 يوليو الجارى (على حافة الانهيار)، إن سعر صرف الليرة أمام الدولار تراجع خلال الحرب الأهلية، ولكنه لم يشهد فى 15 عامًا الانخفاض المريع الذى حدث فى أقل من عامين.
ذكرنى هذا التعليق بأول زيارة إلى لبنان عام 1988 قبل عام وبضعة أشهر من نهاية الحرب الأهلية. كنتُ قد بدأتُ العمل مديرًا لمكتب مركز دراسات الوحدة العربية بالقاهرة، ودعانى مؤسسه الراحل الكبير د. خير الدين حسيب إلى مقره الرئيسى وترك لى حرية الاختيار, مع تأكيد أنه مسئول عن ضمان سلامتى. وأذكر أن سعر الصرف كان نحو 450 ليرة مقابل الدولار. وعلمتُ وقتها أن الانخفاض الشديد فى قيمة الليرة لم يبدأ إلا فى العام السابق، عندما تصاعدت الأزمة السياسية مع قرب انتهاء فترة الرئيس أمين الجميل، حيث بقى سعر الصرف فى حدود 5 ليرات مقابل الدولار حتى أواخر 1987، أى بعد أكثر من 12 عامًا من اندلاع الحرب. وخلال تلك الفترة لم يحدث سوى تغير طفيف فى سعر الصرف الذى كان نحو 4 ليرات مقابل الدولار عام 1975.
والملاحظ أن قيمة الدولار أمام الليرة أخذت فى الارتفاع بعد انتهاء الحرب، لازدياد الطلب عليه مع التوسع فى الأنشطة التجارية والعمرانية، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى حدود ألفى ليرة عام 1990، قبل أن يستقر عند 1500 حتى تصاعد الأزمة السياسية الراهنة فى أواخر 2019.
وبرغم بداية الانخفاض الكبير فى قيمة الليرة خلال زيارتى، كانت السلع والخدمات متوافرة، حيث تكيف اللبنانيون مع حالة الحرب، ومارسوا حياة شبه طبيعية فى مختلف المناطق إلا فى أوقات الاشتباكات المسلحة.
وعندما أقارن ما شهدتُه فى تلك الزيارة بما نتابعه الآن، يبدو السؤال الذى يتطلب بحثًا هو: كيف تكون أزمة سياسية لم يمض عليها عامان أخطر من حرب أهلية استمرت 15 عامًا؟.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: