كان السؤال: ماذا حدث فى تونس؟!.. لأن ما حدث فى ٢٥ يوليو ٢٠٢١ قرارات رئاسية رجت البلاد رجا، ودخل المستأسدون على تونس، من الإخوان وأعوانهم، إقليميا وعالميا، جحورهم، فى انتظار ماذا سيحدث؟.. ولم يستطيعوا حتى استغلال مهاراتهم فى الاعتراض، أو التظاهر، أو ممارسة الإرهاب والتخويف، ولم يستطع التنظيم الخارجى، أو الداخلى، الملتف حول المتأخونين التوانسة فى النهضة، الوجود فى أى مكان، بل انقلب السحر على الساحر، وضرب الشارع التونسى الحقيقى، وليس الإخوانى المصطنع، طوال العشرية المسماة الثورة، ( ٢٠١١-٢٠٢١)، رموزهم، أو رمزهم، أمام البرلمان، حيث اعتبره الغنوشى، رئيسهم، حصنه الحصين، بعد قرارات الرئيس، الأمر الذى أجبره على الانسحاب إلى البيت مذعورا، وخرجت تصريحاته، وأنسب توصيف لها أنها تراوحت بين الانسحاب، والتهافت، أو السقوط، بعد أن أسقط الدولة سياسيا، واقتصاديا، فى سلسلة أزمات، وتركزت ردوده بأن ما حدث انقلاب على الدستور من الرئيس قيس سعيد- أستاذ القانون الدستوري- الذى انتخبه الجميع، بمن فيهم حركة «النهضة» الإخوانية، حيث تصوروا أنهم سيحكمونه، أو يديرونه من وراء ستار، ولن يمكنوه من الحكم، فانقلب السحر عليهم، فى لحظة انكشاف تاريخى فريدة، قلما توجد، أو تحدث، وشاهدوا زعيما ارتقى إلى ذروة، أو مكانة رفيعة فى التاريخ التونسى الحديث، دفاعا عن بلده قبل منصبه، ومسئولياته، التى انتخبه شعبه من أجلها، فشكلت القرارات مفاجأة لهم جميعا، وعقدت ألسنتهم تماما عن الحديث، حتى محطاتهم، أو منصاتهم الإعلامية المتنوعة، عُقد لسانها، ولم تستطع أن تصف ما يحدث، أو حتى تهاجمه، فراحت تلاحقه، وكان يسبقها، أو يلاحقها وهى متلبسة بالجرم، الذى يقتل الوطن، والمواطنين، فهل ما حدث فى تونس، فى صيفها الساخن، مفاجأة؟.. لا والله، فالمفاجأة ألا يحدث ما حدث، فقد كانت السفينة التونسية تغرق، وجزى الله الشدائد كل خير، فقد كشفت المستور بالدعايات فى عالم الطباطبة، مثلما اشتهر التوانسة، ومستشفياتهم، فإذا بالمؤسسة تسقط تحت دوى «الـكورونا»، فقد غيروا خمسة وزراء صحة بلا جدوى فى الإنقاذ، وقبلها تهاوى الاقتصاد، وعجزت البلاد عن مقابلة المفاجآت الاقتصادية، وتبعات الأزمات من البطالة.. وغيرها، وانهيار السياحة، وموارد الوطن، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة، ما بعد ثورة الياسمين، وحتى الأمس، مواجهة احتياجات الناس.
ورغم أن ثورة تونس فى ٢٠١١ كان بُعدها الاجتماعى هو الأهم، أى الاقتصاد والبطالة، قبل السعى إلى الحريات السياسية، فإن هذا البُعد لم يجد أى اهتمام من الحكومات الإخوانية، التى تفرغت للصراعات، والتمكين لنفسها، على حساب الشعب، دون مبالاة تماما لاحتياجات الناس، أو أبسطها المتعاقبة، وأغرقوا التوانسة فى فقر مدقع، وتفرغوا للصراعات السياسية، وكان اهتمام الإخوان، أو النهضة، السيطرة على مقاليد الدولة، وأخونتها فى كل المجالات، وكانوا يتحدثون عن أن المنظمات الجهادية، أو الدواعش، ذهبت إلى أطراف تونس، وتحصنت فيها، وكان ما يسعون إليه أنهم سيكونون الظهير العسكرى، والسرى، الذى سيضمن أخونة كل شمال إفريقيا من تونس (ليبيا والجزائر والمغرب)، حيث كانت تحت تهديد مباشر للتنظيمات المتخصصة فى أطراف الحدود، أما مصر فتكون إخوانية من خلال النجاح المدهش لثورتهم فى الحكم - بحكم أن شعبنا المصرى العريق سيحتذى حذوهم لنبوغهم فى الحكم، وفى صناعة النموذج، ثم تقليدهم فى التظاهر ما بعد يناير2011.. يا الله!.. غرور إخوانى لا مزيد عليه، وجهل بكل المعطيات، والأسس، والتفكير، ليس له نظير، وهكذا سقطت تجربتهم، أو آخر طبعة إخوانية، سقوطا مدويا فى كل المجالات، حيث أصبحت تونس مرتعا للإرهابيين فى الأطراف، تخيف الجيران، وتمدهم بالسلاح، وليس الخبرة، بالقتل المخيف وليس السلع والخدمات المميزة.. أما مدرستهم فى البرلمان فهى مضحكة، ومزرية، وخناقات، وتطاول، وتعطيل لكل مصالح الشعب، ونواب يبحثون عن مصالحهم، وارتكبوا كل الجرائم المعلنة.. وغيرها، والتهريب بكل أشكاله، والفساد، والتمويل الخارجى، والقضاء مشلول، وعاجز عن مواجهة الفساد المستشرى، للسيطرة السياسية الإخوانية عليه، والنيابة العامة لا تمارس مهامها. تحت وصاية الحصانة البرلمانية، التى صنعت لحماية السياسة، وأصبحت لحماية النواب، فأى تجربة يريدون تعليمها، ونقلها إلى المحيط العربى، ولمنطقتنا؟!.. وزعيمهم الغنوشى ليس عنده قدوة إلا سنان باشا التركى، محرر تونس، ولم يقل التوانسة حرروها من أى شيء، فقد وضع تونس، مثل غيرها من البلدان العربية، تحت حكم عثمانى، واحتلال تركى بغيض، بحجة الخلافة، التى يبحث عنها الإخوان المسلمون بكل أقطارنا العربية، لأن بها يتحقق حلمهم، وأسطورتهم الإسلامية، التى سبق أن ضاعت تحت الاحتلال، والاستقلال الوطني..
نماذج عجيبة للحكم، والتفكير لدى المتأخونين، ماذا سيكون مآلها لدى الأجيال الراهنة؟.. هل يستطيع الشباب والمرأة فى عالم اليوم، والأجيال الجديدة، استساغتها، أو تذوقها، أو العيش فى ظلالها؟!. كان طبيعيا ما حدث فى تونس، ولكن قلوبنا مع الشعب، والدولة التونسية، فى هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، والدقيقة، والشائكة. لقد أدار الرئيس، والأستاذ الجامعى المرحلة الماضية باقتدار وكفاءة، وشكل لدى المراقبين لها مفاجأة من العيار الثقيل، فهل سيستطيع تعليم، وهو الواثق من أستاذيته، وترويض التنظيم الإخوانى التونسى، ودمجه فى المجتمع، وفى الدولة، أم يتم إقصاؤه نهائيا، ويضطر للدخول فى معركة قاسية معهم، وتلك ستكون مرحلة صعبة على تونس، ستحدث فيها مواجهات قاسية؟! . وأخيرا، فإن التحدى، الذى يواجه الرئيس قيس سعيد هو: هل سيصمد فى هذه المعركة القاسية؟!.. أعتقد أنه يحتاج إلى دعم عالمى، وعربى، متزايد، ومستمر..
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: