كل عام وأنتم بخير، ففى عالم اليوم، سرعان ما تكتمل الرؤية والحدث، فى تطابقهما مع الواقع، وفى رحلة الحج، كل عام، تجتمع، فى أيام معدودات، رحلة أبوالأنبياء مع رحلتنا، أو حجنا، ومحنة سيدنا إبراهيم مع فداء ابنه إسماعيل، إنها لمحنة عظيمة، ما مر بها أحد من العالمين غيره وابنه، عليهما منا السلام فى أعيادنا الكبيرة.
كلنا يعيش، فى حجنا هذا العام، وكل عام، محنة إبراهيم، وكلنا يتجه إلى الله بقلوب صافية، ودعاء صادق، وصيام مبرور فى يوم عرفة، أن يرزقنا لحظة الفداء (وفديناه بذبح عظيم)- آية ١٠٧، الصافات، وكلنا يفدى، فالحدث والرؤيا لا يخصان سيدنا إبراهيم وابنه اسماعيل وحدهما، ولكن يخصاننا جميعا، فنشاركهما فى الركن الخامس من الإسلام رحلة الحج كل عام، وكل عام نرجم الشيطان، حيث نتبع ملة أبينا إبراهيم، ومسار نبينا محمد- عليهما الصلاة والسلام، وكلنا يتلمس البركة، والاقتداء، والسكينة، ويتذكر إبراهيم فى محنته، وهو يمتثل للرؤيا مع ابنه- عليهما منا السلام، ثم يُطمئنه الخالق، بعد أن أوفى بالطاعة، والتى بأدائها تُصرف الشدائد، والمكاره، وهو يقول أشهد أن لا اله إلا الله، وقبل أن يكتمل صدق الاختبار، كان فداء السماء حاضرا، ومن هنا شُرعت أُضحية عيد الأضحى اقتداء بأبى الأنبياء فى تضحيته.
أيام مباركة تكاد تتكرر أمامنا، بصورة، أو أخرى، متشابهة، أو متطابقة، ولكن الأيام تجرى، والحياة تبقى للصامدين، والقادرين عليها، فعندما اجتمع المصريون مع رئيسهم عبدالفتاح السيسى، فى استاد القاهرة، قبل أيام من الأعياد المباركة.
كان المصريون قد صدقوا الرؤيا، وكان هتافهم الداخلى حالة من القلق الوجدانى، استشعرها السيد الرئيس، فخرج عن النص المكتوب، وتكلم معهم، بصراحة، حول مستقبل النيل، وما يحدث من دولة المنبع (إثيوبيا)، أو ما يُعرف بـسد النهضة، الذى يحجز المياه، وكان السؤال الداخلى، الذى لم يقله المصريون، هل يَجف النيل، ونحن صامتون؟!، ونحن، فعلا، انتظرنا الفرج من المجتمع الدولى، فى مجلس الأمن، فجاءنا منه ما لا ننتظره، أو شعرنا بذلك، وبعضنا انتابه القلق، فخرج بصيحات هلع، وضيق، وبعضنا الآخر انتظر، فى صمت، واطمئنان، مدركا عُمق الرؤية، وأن النيل لن يجف أبدا، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى فعلها بصدق تماما، وكان صادقا مثلما كان دائما، أو عهدناه، فما فعله فى السنوات الماضية، على كل صعيد، يجعله مطمئنا، واقفا على الأرض الصلبة، التى يقف عليها من بنى جيشا عظيما، ووطنا قويا، واقتصادا قادرا على المواجهة، ويلبى متطلبات شعبه، ويدرك حقوق محيطه، وعالمه... من فعل كل ذلك، يعرف أن النيل لن يموت فى حياتنا، ولا فى حياة أجيال عديدة قادمة، بل إنه يعرف، يقينا، أنه عندما يتوقف سريان ماء النيل، لن يكون هناك إنسان على وجه الأرض ليشاهد الحدث.
يصعب علينا أن نرى الشعوب فى إثيوبيا، أو الإثيوبيين، أشقاءنا فى النهر، وهم يتقاتلون، وبعضهم يقتل الآخر، لدرجة أنهم استعانوا بالجيران ليقاتل بعضهم بعضا، ونرى مواكب الأسرى من الجيش الإثيوبى وهى تسير فى الشوارع، فى حالة من المهانة، والانكسار، وبعضنا هنا يهتف لنحاربهم، وهم فعلا يتقاتلون، وقد يكون له بعض الحق فى الدفاع عن المياه فى بلدنا، فليس بعد الماء شىء آخر قد يخسره الإنسان، إنه النيل، فهو بالنسبة لنا كل الحياة، وهو واهب الحياة للأرض الصحراوية، التى نعيش عليها، بل هو كل مصر، وهو الشريط الأخضر، الذى نعيش فيه، أو يعيش فينا، وهو النيل إله للفراعنة عبر تاريخنا، وصلاة للأقباط، ونهر من الجنة عند المسلمين، كما أن النيل عاد ليفيض علينا فترة دموع إيزيس، كما قال المؤرخون القدماء، والمصريون يرون النيل يسير بأمر الله، وينتظرون فيضانه بشغف.
لقد كانت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى احتفالات مصر بالمشروع الضخم (تنمية القرية المصرية) رسالة جديدة للمصريين، فالمجد لك أيها النيل، الذى ينبع من الأرض، ويحمل الخير لمصر، فحروب المياه الخطيرة، هى ليست للجيوش، ولكنها للشعوب قبلها، فهم أهل وأصحاب المياه، والرئيس طمأن المصريين أنه سيكون هو والجيش فى المقدمة، مما يعنى أن معركتنا مستمرة للحفاظ على النهر، والمياه، ويجب أن نكملها، ونُترجمها الشهر القادم (15 أغسطس- عيد وفاء النيل)، باستمرار تجديده، وحمايته، والدفاع عن سريانه، والحفاظ عليه، ونحن سنحميه ليفيض ولا يتوقف، وينساب حرا طليقا من منبعه إلى مصبه، ونقدم لجيراننا، وأشقائنا، فى الحوض، كل المقترحات المبتكرة للتعاون، والعمل المشترك معا، لكننا مستعدون للفداء، دوما، للنيل، ولمصر، دفاعا عن حقها فى الاستقرار، والنمو، والحياة، والوحدة المصرية، والتماسك، هما الطريق، أو هما الوطن، بلا هلع، أو تهريج رخيص، من البعض منا، أو الخائفين، أو الفوضويين، الذين يغسلون أيديهم مبكرا، أو هُواة الهرى، كما قال السيد الرئيس، فنحن كلنا ثقة فى جيش يحمى شعبه، بل شعوب المنطقة، من السقوط، ويقف مع سيادة كل دول المنطقة العربية، والإفريقية، ويحمى شعوبها، وجيوشها، حتى لا تنهار، وتسقط فريسة للإرهابيين، والمتطرفين، أو تحت سيادة دول كبرى، ودول إقليمية، ترى فى منطقتنا، وفى بلادنا، فراغا، وسقوطا، فتملؤه، بمعرفتها، بتدخلات، وحروب، غير مشروعة، وضد الصيغة الإنسانية.
لقد قالها الرئيس السيسى، عندما وضع كل النقاط فوق الحروف أمام الشعب، بضوابط، وبتفكيره المنطقى، والعقلانى، والإيمانى، وبلا مواربة، وهى استعدادنا الكامل للدفاع عن حقوقنا، لكن السيد الرئيس يقيس كل شىء بميزان من الحكمة، والشجاعة، ونثق فى أن الله معه، وهى ثقة لم ولن تهتز أبدا.. وكل عام كل المصريين بخير..
لمزيد من مقالات ◀ أسامة سرايا رابط دائم: