رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

روح التضحية تحمى مصر وشعبها

رغم أن عيد الأضحى المبارك يهل علينا فى ظل أزمات متعددة تلقى بظلالها على المنطقة والعالم، فإن المصريين قادرون على الفرح والبهجة فى أحلك الظروف، فالأسواق مزدحمة لشراء متطلبات العيد من ملابس ولعب الأطفال واحتياجات الغذاء الضرورية لهذه المناسبة الكريمة، ويشترى ميسورو الحال الأضحيات، ويربطونها أمام منازلهم انتظارا لذبحها وتوزيع لحومها.

وإذا كانت بعض مظاهر الاحتفال قد تغيرت عن أيام طفولتنا، فإن العيد يشع بالبهجة الآن بمظاهر تختلف عما كان فى السابق، كنت وأنا صغير نبدأ بالذهاب إلى الترزى بقماش الملابس الجديدة، وأنتظر مع إخوتى أن نلبسها بفارغ الصبر، ونترقب الحصول على العيديات من الأهل والأقارب الذين يتزاورون، وكنا نحتفى بالأضحية ونزينها ونهتم بتغذيتها جيدا قبل فترة قد تطول ليكون لحمها أكثر وأطيب، وكان أهم ما يميز عيد الأضحى هو التراحم والتكافل، فالجميع يأكلون اللحم والفتة والأرز المعمر، فجميع بيوت البلدة عامرة باللحوم، سواء من ذبح أضحية أو من تلقاها من ميسورى الحال، وكنا جميعا نركب المراجيح ونشترى البالونات والمزامير وغيرها من الألعاب البسيطة فى ذلك الوقت، لكنى كنت أشعر بأنها رمز لبهجة ما بعدها بهجة، وكان يوم العيد يبدأ بالاستحمام مبكرا ثم الذهاب لصلاة العيد التى تجمع الكبار والصغار والفقراء والأغنياء، ثم يعلو التكبير، الذى يستمر فيه البعض طويلا، ونتوجه بعد الصلاة لزيارة المقابر، وقراءة ما تيسر من سور القرآن والأدعية لروح أمواتنا، وتوزيع الفطائر والفواكه على المحتاجين.

وكانت بيوت الحجاج تتزين ويتم طلاء واجهاتها برسوم للكعبة المشرفة والمحمل، وهناك من كانوا يزيدون عليها برسم باخرة أو طائرة، أى أنها كانت تتزين بكل عناصر رحلة الحج، وكانت مواكب الحجاج تتجمع فى قوافل سيارات تأخذ طريقها إلى الميناء أو المطار، وهم يرتدون الملابس البيضاء استعدادا لأداء الفريضة الجليلة والمحببة، التى تطهر القلوب، وتمنح السكينة، ويظل لقب حاج ملتصقا باسم كل من زار الأراضى المقدسة، وظلت بعض هذه الظواهر مستمرة حتى الآن، وإن كان بعضها قد تراجع، إلا أن جوهرها وأهم مظاهرها بقى على حاله، لكن جائحة كورونا أثرت على موسم الحج، بعد القيود على السفر والتجمعات، فلم نعد نشاهد قوافل الحجاج للعام الثانى على التوالي، وعزاؤنا أن الجائحة كانت لطيفة بنا قياسا بالكثير من دول العالم، وإن كنا فقدنا بعض الأعزاء من أقارب ومعارف، ومع اتساع مراكز اللقاح وتوفير كميات كبيرة، وإقبال الناس على تلقى اللقاحات بعد فترة تردد ومخاوف أثارها البعض، بدأت الجائحة فى الانحسار، وجرى رفع القيود بشكل جزئى لتعود الحياة إلى إيقاعها وحيويتها، وإن كنت أتمنى مواصلة أخذ الحيطة والحذر من التحورات الجديدة للفيروس الذى مازال قادرا على الفتك بسلالاته الجديدة، وألا نتعجل ونتساهل ونتجاهل أخذ الحيطة من تلك الجائحة الخطيرة، ولى أمنية أخرى بأن يتبرع من كانوا ينوون الحج ولم يتمكنوا من السفر بسبب الجائحة بجزء من المال الذى ادخروه لأداء فريضة الحج فى أعمال البر، سواء بالتبرع للمستشفيات أو الصدقات أو غيرها من الأعمال التى تعود بالخير على المحتاجين، وأن يدعو علماؤنا إلى مثل هذا السلوك القويم، الذى أعتقد أن له أجره وثوابه، وأنه سيجلب لهم الشعور بالسكينة والرضا، وأن الله سيجزيهم عن أعمالهم الصالحة خيرا.


إن عيد الأضحى له رمزيته، فهو عيد التقرب إلى الله بالفداء والاستعداد لتقديم فلذة الكبد تقربا إلى الله، ويعود الاحتفال بعيد الأضحى إلى رؤية نبينا إبراهيم عليه السلام أن الله عز وجل أمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام، وهو الذى أنجبه عن عمر يتجاوز الثمانين عاما، فقص على ابنه رؤياه، وقال: «يَا بُنَيَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى» فأجاب إسماعيل عليه السلام مُطيعاً لربه وأبيه قائلاً: «يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» فوضع النبى إبراهيم ابنه على الأرض وشرع فى الذبح، لكن السكين لم يقطع بأمر ربه عندها فداه الله عز وجل بكبش عظيم، لتصبح الأُضحية بعد هذه الحادثة سنة عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، يؤديها جميع المسلمين فى عيد الحج، ولهذا يحمل عيد الأضحى قيم الفداء والتضحية والتقرب إلى الله، وكذلك هو عيد الرحمة التى رفعت عن كاهل نبينا إبراهيم تقديم فلذة كبده قربانا إلى الله، واستبدلته بأضحية تصبح من الصدقات ورمزا للتراحم.

إننا بحاجة لتلك القيمة النبيلة، وأن نفعل ما يرضى الله، ولا نبخل على ديننا ووطننا بأى تضحية مهما كانت غالية، فمصر تحتاج منا هذه الأيام أن نبذل من أجلها كل غال ونفيس، فالأزمات تحيط بنا، والمتربصون كثر، ويسعون إلى إيقاف مسيرتنا نحو البناء والتنمية، حتى لا تتبوأ مصر مكانتها المؤثرة فى قيادة المنطقة نحو النماء والاستقرار، ويحيكون المؤامرات حتى نتعثر، إلا أننا بفضل الله والقيادة الحكيمة سوف نتجاوز تلك الفترة الحرجة فى تاريخنا، وسنجتاز الصعاب متسلحين بروح التضحية والفداء، وهى الروح التى ستجعل الأعداء والمتربصين يرتجفون من الخوف أمام شعب وجيش عازم على حماية مكتسبات وطنه وشعبه، وألا يسمح بأن يمسه سوء، متسلحا بتماسك جبهته الداخلية، وألا يدع المتربصين يبثون سمومهم وينخرون بسوس شائعاتهم فى عزيمتنا، لإحداث فرقة تسهل عليهم مؤامراتهم. علينا أن نتذكر تلك المعانى النبيلة والمتجذرة فى أعماق المصريين، وأن نثق فى قدرتنا على التحدى ومواجهة كل الصعاب حتى نحقق أمانينا فى حماية بلدنا، وأن نعيش فى أمان وازدهار.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: