الصدفة وحدها هى التى جمعتنى بها... إنها السيدة العظيمة التى أحبت مصر إلى درجة العشق والهيام .. لم أكن أتوقع أبدا يامن تقرؤون هذه السطور ان القاها تجلس وحدها فى ركن قصى ذات مساء فى مقهى المصريين الشهير فى قلب لندن... وهو المقهى الذى يجتمع فيه كل ليلة مجموعة المصريين الذين شاءت أقدارهم وظروف عملهم الصحفى أو غير الصحفى أن تجمعهم الغربة ولسعات البرد فى ليل لندن.. داخل مقهى دافيء فى الحى اللاتينى الذى يجتمع فيه من يعيش منهم فى لندن على مقهى «يدردشون» ويتحاكون ويأتنسون بعضهم ببعض.. كما فعلت أنا عندما وجدت أمامى على غير موعد البروفيسيرة كريستال دوروثى أستاذ التاريخ الفرعونى تقدم نفسها إلى وتضع أمام عينى صفحات غامضة من التاريخ المصرى المكتوب من أيام الفراعين العظام..
وياله من تاريخ.. لم نجد لها اجابة ترضينا نحن المصريين وتلجم ألسنة حسادنا وما أكثرهم عبر التاريخ المكتوب وحتى يومنا هذا.. !و الذى احتفلنا فيه واحتفلت معنا الدنيا كلها بموكب كوكبة الفراعين العظام من ملوك وملكات الذين واللاتى مازالت مسيرتهم العطرة تملأ قاعات الدرس فى جامعات العالم كله بالفخر والفخار بوصفهم وبوصفهن صناع التاريخ الإنسانى كله قبل الزمان بزمان.. ومن عنده كلام آخر ... فليتفضل
أمامنا الآن أيها السادة.. لغز كبير اسمه الهرم الأكبر..
أسئلة كثيرة مازالت تبحث عن إجابة..
وأمامنا الآن بروفيسيره »كريستال دوروثى نوبلكور« أستاذة تاريخ فرنسية لها شهرتها العالمية لتخصصها فى علم »المصريات« طوال ستة وخمسين عاما بحالها..
يا خبر.. والكلمة الأخيرة لى أنا!
..................................
..................................
السؤال الذى وجهته إليها مجلة «الإكسبرس» الفرنسية وإلى 15 أستاذاً جامعياً كل منهم فى تخصص مختلف فى الحضارة المصرية القديمة..
والسؤال : هو ما الذى لاتعرفه وتريد معرفته؟
سؤال بسيط، لكنه جرىء، ومثير، ولعله أول الطريق إلى أكتشاف جديد.. يعيد كتابة تاريخ مصر.. ومن أول السطر..
فماذا قالت ياترى؟
لقد قالت : يحصل المؤرخ فى كل عام على عناصر جديدة من تاريخ الفراعنة.. عن الأحداث والحياة اليومية، عن المعارك والحروب، وهامش الأخطاء فى تلك المعرفة ضئيل.. ولكن عندما يلمس المرء مجال الفلسفة والعقيدة، .. عندما يغامر بترجمة النصوص وتفسيرها، وكذلك الصور والرموز، ويعيد وضعها فى السياق الكامل للنص ـ وهذا هو مفتاح علم المصريات... يعتريه الارتباك وتتقمصه الحيرة..
ياعزيزى الكلام موجه إلى لقد انفقت ستة وخمسين عاما من عمرى حتى أصبح واحدة من علماء المصريات،
أقاطعها بقولي: يـاه ستة وخمسون عاما حتة واحدة؟
قالت: نعم.. والمشوار أمامى مازال طويلا.. وذلك بطرح الأسئلة، وجمع البراهين، والمجاهدة فى تنقيح الآراء المستخلصة، التى كثيرا جدا ما تخفى أخطاء حمقاء فاحشة..
أول المجاهيل التى أعايشها ـ وأقول أيضا: التى ترُهقنى تلك المتعلقة بالديانة المصرية (القديمة)، والتى لم يكُشف الستار عن حقيقة ديانة المصريين حتى يومنا هذا..
أجل إنها ديانة المصريين، فليس لديك عنها إنجيل ولا توراه ولا قرآن أو كتاب مقدس، لديك فقط نصوص تشير إلى إيحاءات من الأساطير. فيجد المرء نفسه أمام ركام من التفاصيل أو الجزيئات تصعب عليه الرؤية بوضوح من خلالها.
إن الكهنة، ياعزيزى والكتبة والنساخ، عقدوا، وجملوا وأفرطوا فى زخرفة أو تشويه النصوص الدينية، من نفس هذا الركام المختلط ..ندرك أن رجلا مثل الفرعون أمينوفيس الرابع المعروف فى التاريخ المصرى باسم أخناتون ..هذا الفرعون أراد أن يضع نظاماً لمحتواه.. إنه لم ينشىء عقيدة توحيد فقط، بل أكثر من ذلك.
ولم يرد هرطقة (بدعة)، لقد حاول ببساطة أن ينظف هذا الركام من حول فكرة سهلة ميسرة: الاعتراف بقوة الهية وحيدة قادرة غلابة تتحكم فى هذا الكون..
عند دراسة متون الأهرامات المكتوبة، يشعر المرء حقا بوجود نوع من الآلية (ميكانيزم) الكونية الغامضة صادرة عن مايمكن أن يقُال عنه مستقر الإله الخالق..
وهذا مجرد افتراض فى يقينى..فلست أمارس لعبة التخمين، أنا أعرف يا عزيزى جيدا إن أولئك الذين لايعرفون آى شىء.. هم الذين يؤكدون دائما كل شيء فى هذا الكون.. وتلك هى المشكلة الآزلية التى لا علاج لها!
{{{
لغز آخر مازال يحوم حول قمة هرم خوفو، ـ بروفيسيرة كريستال تتكلم ـ أنا لست خبيرة فى تلك الأهرامات التى يعرف غيرى عنها الكثير ـ وربما أقل القليل!
ولكن اسمح لى أن أطرح السؤال الأول: هؤلاء القوم الذين مازالوا يحدثوننا ـ ودائماً ـ عن غرفة الملك، وغرفة الملكة، ـ من داخل الهرم ـ ماهى البراهين عندهم؟ ليس هناك نقوش ..فى أهرامات الأسرة الرابعة، فى ذلك العصر لم تكن الملكة تدُفن فى مقبرة الملك. تلك حقيقة نظرية.. وأقول »نظريا« لاننى دائما أخذ حذرى قبل ان اصل إلى قرار مصيرى، وهذا مايجب ان يكون، إذ يوجد دائما الاستثناء الذى يؤكد القاعدة: كحدوث ثورة مثلا .
إذن، أين هى هذه الملكة؟
إن هذا يؤرقنى، وأنا أوجه السؤال إلى من يريد أن يسمعه ؟
ثانيا: غرفة دفن الملك. يظن البعض أنه يعرفها قبوا صغيرا بسبب وعاء كبير من الجرانيت يحتويها. إن الأهرامات تشير إلى وجود مدفن الفرعون.. ولكن، أين هو ذلك المدفن؟ وأين هو الفرعون نفسه؟
{{{
هنا أيضا أجدنى فى نطاق الافتراض: فى تلك القاعة حيث يوجد ذلك الوعاء الضخم، من الجائز أن يكون القصد منها مقبرة تذكارية، قبراً زائفاً. عندئد يكون المنطلق الفكرى والتصور غير المادى «الروحى» لخوفو فى الارتقاء نحو تطهر سوف يقوده إلى التقرب من الله أكثر.
لكن، أين دفن؟
وهنا نتساءل: كيف يقال «يدفن» فى الديانة المصرية «القديمة»؟ يقال : «أودى رتا» أى يوضع فى الأرض.
ويبدو أن الأمريكيين واليابانيين عرضوا جسم الهرم نفسه للإشعاعات الذرية التى تكشف المستخبى ولكنهم فى النهاية لم يجدوا شيئا.!
ولكن ألم يكن من الواجب حقا سبر أغوار ماتحت الأرض؟
لماذا لايضع المرء فى الحسبان أنه ربما فى عصر الأسرة الرابعة كانوا يهيئون قاعات جنائزية ومقابر تحت الأرض مثلما فعلوا فى الأسرة الثالثة والأسرة الخامسة؟
يبدو أنه لابد من الاعتراف هنا بأن هنالك مشكلة ما؟
لكن طرح مشكلة ما، يصدم ويثير غيظ أفكار متيقنة، ويجلب الهموم إلى الآراء الراسخة فى راحة.
{{{
مثال ثالث: علامات البروج السماوية التى هى منذ أن عرفها العلماء ، هى مصرية الأصل، منذ ثلاثين سنة، من الدراسة والبحث ومع أشياء أخرى ( وهكذا تكون دائماً الاكتشافات!) لقد نجحت فى ترجمة أو فك رموز العلامات الخمس الأولى للبروج المرسومة على الجدران.. اذن هذه العلامات.. وهذه الرســوم لها معــان، ودلالات محـــددة تتراوح بين العقيدة الأوزيرية وعقيدة الشمـس..بين البيــان السمــاوى المقـــدس نهارا أو ليلا..وبين الحياة والمــوت..
ثم استطعت أنا ـ مازالت كريستال تتحدث وتقول ـ بعد أربع سنوات من البحث ـ أن أفسر كل العلامات الباقية عدا واحدة هي: رمز برج الجدى، ظل هذا الجدى مستعصياً برأسه وجسمه الماعزيين، وذيله السمكى، تشككت فى أمره، ولست متأكدة من شيء عنه، من الجائز أن يكو رمزاً لبرعم حبة القمح التى مازلت مغمورة فى الماء أو الطين، ومن هنا يكون الذيل. ورأسه ذات القرنين الصغيرين، وربما كانت تمثل اللسان الرفيع الذى سينبثق من بين الفلقتين ثم يبرز بعدئذ مخترقا سطح الأرض إلى عنان السماء.
إننى أتحرى دائما الحذر الشديد ـ تقول كريستال ـ لذلك أضع دائما كلمة »ربما« مع كل عبارة.
وفى علم المصريات، يجد السؤال الصعب إجابة سهلة. دائماً. والمعضلة الكبرى هى فك طلاسم تلك السهولة!
إن ذرة من التراب ياعزيزى تحتاج لعلم وفير!
قلت لها: والله عندك حق ياعزيزتى كريستال!
{{{
والآن..ماقولك ياعزيزى عالم المصريات الشهير زاهى حواس رفيق الدرب والطريق الذى أسمه مثل الطبل البلدى فى بقاع الأرض.. والذى يرفعون له القبعات فى مطارات العالم عندما ينزل من سلم الطائرة كما شاهدت أنا بعيني؟
هل آن الأوان ونعرف أين ذهبوا بالملك خوفو؟ .. وأين دفنوا مومياء بانى الهرم الأكبر؟!
أين ذهبت مومياء عمنا خفرع.. وعمنا منقرع صاحب الهرم الأصغر؟
وأين مومياوات الملكات
الغاز وطلاسم عمرها من عمر الزمن آن الأوان لفتح نوافذ الحقيقة والضوء..
انه تاريخنا أيها السادة
وقد آن الأوان لكشف ما خفى من أسراره {
Email:
[email protected]لمزيد من مقالات عزت السعدنى رابط دائم: