رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الطبقة الوسطى .. مشكلة التعريف

يثير الحديث عن الطبقة الوسطى عددا من القضايا التى نحتاج فيها إلى مزيد من التأمل؛ فقد أثار بعض من الزملاء فى تعليقاتهم على مقالات الطبقة الوسطى قضايا قد تحتاج إلى نقاش وتوضيح. وعلى هذه الخلفية أتوقف فى هذا المقال عند قضية أحسب أنها مهمة، وهى قضية التعريف: ما الطبقة الوسطى فى سياق المجتمع المصري؟ أمامنا للرد على هذا السؤال ثلاث صور من التحليل: أولاها التحليلات الغربية الكلاسيكية بشقيها الوظيفى والماركسي، والتى لا تصلح لكونها قدمت فى سياق تاريخى مختلف، وثانيتها التحليلات المشتقة من البحوث الميدانية العالمية مثل البحث العالمى للقيم وتحليلات البنك الدولى والتى تعتمد مؤشرات كمية تقسم المجتمع إلى شرائح قد تصل إلى ست شرائح، وهذا المدخل مفيد للكشف عن طبيعة التباينات فى أساليب الحياة، ولكنه لا يكشف قط عن خصائص الطبقة ككيان اجتماعى وثقافي؛ ثم أخيراً الاتجاه المعاصر فى التحليل الطبقى والذى يمكن التمييز فيه بين صورتين: الأولى تركز على المواقع الطبقية المختلفة، والثانية تنفى وجود طبقات فى المجتمعات النامية، لأنها لم تعرف وجود أشكال اندماج ناضجة أو لأنها تعرف أشكالاً بديلة للطبقات التى تتشكل فى جماعات يطلق عليها البعض الجماعات الإستراتيجية. لقد قدمت هذا الشرح لكى أؤكد أنه ليس من السهل أن نعَّرف الطبقة بسهولة، وأن أى شكل من أشكال التعريف هو اجتهاد. وأن الاجتهاد الذى قدمته فى ضوء خصوصية التغير فى مصر يقوم على أن الطبقات فى مصر تتشكل على أساس تغير تاريخى غير متسق ادى فى النهاية الى تكوين طبقى فسيفسائي، تتحول فيه الطبقة من كتلة متماسكة اجتماعياً وثقافياً إلى كتلة متباينة لا تختلف فى مؤشرات أسلوب حياتها فقط، بل تختلف فى توجهاتها الثقافية وطموحاتها وأساليبها فى الحركة. ينطبق ذلك على الطبقتين الكبيرتين اللتين تشكلان التكوين الطبقى المصري، وهما الطبقة الوسطى والطبقة القاعدية. ويحتاج هذا الرأى إلى مزيد من التوضيح الذى نسوقه فيما يلي.

إن الإشارة السابقة إلى طبقتين قد تعنى أننا نستبعد الشريحة العليا، غير أن هذا الاستبعاد غير وارد، إنما يعنى أن هذه الشريحة لا تشكل بمفردها أى وضع طبقي، فهى صغيرة العدد الى حد كبير، وهى تنحدر فى معظمها من الطبقة الوسطى، أو حتى من الطبقة القاعدية، وهى تعيش غالباً بمعزل عن المجتمع، فنحن لا نراها، إلا فى المخيال أو عبر أدوات الاتصال، ولا توجد دراسات تكشف عن أسلوب حياتها وأهدافها وطموحاتها، وهى فوق هذا كله لا تقترب -فى تكوينها- من الطبقة الرأسمالية الموجودة فى المجتمعات الغربية، والتى نستطيع أن نحدد هويتها وعلاقتها بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية على نحو دقيق. لهذا كله نرى أن هذه الشريحة هى جزء لا يتجزأ من الطبقة الوسطى، وهى إن فارقتنا مكانياً فإنها لم تفارقنا ثقافياً.وإذا ما تركنا هذه الشريحة واتجهنا إلى صلب الطبقة الوسطى، فسوف نحتاج -لمزيد من فهم تكوينها- إلى تذكر تشكيلاتها التاريخية. لقد تشكلت هذه الطبقة عبر قرن ونصف القرن من التغيرات غير المنتظمة. لقد كانت الفئات الوسطى موجودة بشكل أو بآخر فى المجتمع التقليدي، ممثلة فى فئات من التجار ورجال الدين، وكان هؤلاء يلعبون دوراً مهماً فى المجتمع التقليدى (نحتاج هنا إلى قراءة كتاب الدكتورة نيللى حنا بعنوان ثقافة الطبقة الوسطى فى مصر العثمانية ق١٦م - ق١٨م). ولكن حديثنا هنا ينصب على الطبقة الوسطى الحديثة، التى تستمد موقعها الطبقى لا من التجارة والأعمال الوسيطة فى الاقتصاد فحسب، بل تستمده أيضاً من التعليم ومن ممارسة المهن الحديثة. لقد بدأ تشكيل الطبقة الوسطى بهذا المعنى بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر من خلال القنوات التى فتحها حكم محمد على للصعود عبر التعليم أو عبر تملك الأراضي، أو الانخراط فى الأعمال التجارية. لقد اسْتَوَتْ هذه الطبقة عَلَى سوقها بالتدريج، وأصبحت لها أجنحة قوية فى النصف الأول من القرن العشرين، فكان منها أصحاب المهن المتخصصة، والتجار والصناع، ورجال الثقافة والفكر والإعلام. ومن رحم هذه الطبقة جاء الضباط الأحرار الذين أحدثوا التغيير الكبير فى يوليو 1952م. وقد ترتب على هذا التغير أن اشتد نفوذ الطبقة (فى الإدارة والحكم) عبر سياسات الدولة التنموية فى الستينيات من القرن الماضي، والتى كان التوسع الأفقى فى التعليم واحداً من معالمها الرئيسية. أدى هذا إلى تضخم الطبقة، وتضخم جناحها البيروقراطى والمهني، بل أدى إلى أن تفقد جزءاً كبيراً من تجانسها على أثر امتزاجها بالشرائح الدنيا وثقافة الفلاحة. ومع استمرار تضخم الطبقة وزيادتها فى العدد حدث لها الشرخ الكبير، على أثر سياسات الانفتاح الاقتصادى التى فجرتها من الداخل، فصعدت منها فئات إلى قمة الطبقة، وهبطت منها فئات أخرى إلى قاعدتها، وظلت فئات فى منطقة الوسط. لقد تحول التكوين الطبقى الوسيط إلى فسيفساء يغرى البعض بأن يتحدث عن زوال الطبقة أو تآكلها، ولنا فى هذا حديث آخر. وتبقى نقطة مهمة تتلخص فى السؤال التالي: إذا كنا لا نعترف بوجود طبقة عليا، فلماذا نقول عن هذه الطبقة إنها طبقة وسطى. يفرض علينا هذا السؤال أن نأخذ موقفاً من بين ثلاثة مواقف: أما أن نأخذ كتلة أو شريحة من هذه الطبقة من أعلى تقدر بنحو ٢٠% من حجمها ونعتبرها طبقة عليا؛ أو أن نتحدث عن الطبقة فى مجموعها على أنها طبقة وسطى بحكم أسلوب حياتها الوسيط، وتاريخ تكوينها غير المنتظم، أو أن نعتبر أن الشريحة العليا هى الطبقة العليا «ذات الطبيعة الخاصة» وأن ما تحتها هو الطبقة الوسطى. واذا كنت ادافع عن الموقف الثانى ، فانى لا انكر صحة الموقفين الاخرين ، خاصة الموقف الاول الذى قد نلجأ اليه لأغراض بحثية .


لمزيد من مقالات د.أحمد زايد

رابط دائم: