لا أستغرب كثيرا ما أصفه بحالة البرود التى يناقش بها مجلس الأمن الدولى ما يسمى الآن بأزمة السد الاثيوبى، وأرجو- عند نشر هذه السطور – أن يتبنى المجلس مشروع القرار الذى اقترحته تونس، الذى يطالب مصر والسودان وإثيوبيا باستئناف المفاوضات بينهم فى إطار الإتحاد الفريقى، ويحث أثيوبيا على الامتناع عن الاستمرار من جانب واحد فى ملء خزان السد...وإن كنت لا أتوقع أن تستجيب أثيوبيا لذلك، وهى التى يمثلها فى ذلك الاجتماع وزير الرى! إن هناك بصراحة فجوة هائلة بين إدركنا نحن للأزمة التى وصفها بحق سامح شكرى بأنها «خطر وجودى» وبين إدراك الآخرين لها. لايدرك مكانة النيل فى حياة المصريين إلا المصريون أنفسهم، الذين أقاموا على ضفافه أقدم الحضارات الكبرى فى التاريخ الإنسانى، ومصر – كما قال جمال حمدان- هى واحة كبيرة على نهر النيل وسط الصحراء القاحلة، ونظرة إلى خريطة مصر من أعلى توضح تلك الحقيقة بكل جلاء، ولذلك قدس المصريون القدماء «حابى» إله النيل، الذى عبدوه مثلما عبدوا رع و آمون. ومصر النيل تلك، من بين أمم الأرض جميعا، هى التى جاء ذكرها فى التوراة والإنجيل و القرآن. وهى التى طمعت فيها الإمبرطوريات الكبرى عبر التاريخ ....من الفرس واليونان والرومان إلى الفرنسيين والإنجليز.النيل جزء أصيل من حياة المصريين . أفخم سكن للأغنياء هو شقة فى بيت على النيل، وأجمل فسحة للفقراء هى نزهة على شاطئ النيل، أو فى مركب او زورق يتهادى على مياهه . وأفخم واكبر الفنادق هى تلك القائمة على النيل، من راس البر فى الشمال وحتى أسوان فى الجنوب. حظى النيل بآلاف وألاف الاغانى والاشعار والأزجال والمواويل والأمثال. إنه النيل الذى «شابت على أرضه الليالى، وضيعت عمرها الجبال»!...إذن، هل نتصور شخصا غير مصرى يدرك «النيل» مثلنا؟ إذن، لا تستغربوا ذلك، والذى سوف يحمى النيل وتدفقه الطبيعى فى مجراه إلينا هو نحن، ونحن فقط، بكل مانملك من وسائل وإمكانات!
Osama
[email protected]لمزيد من مقالات د. أسامة الغزالى حرب رابط دائم: