رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أسباب الانزعاج الإثيوبى من الموقف العربى

توقفت أمام خمس عبارات أوجزت الموقف العربى من التعنت الإثيوبى فى المفاوضات المتعلقة بشروط ملء وإدارة سد النهضة، أولاها ما أعلنه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، الذى أكد الإجماع العربى على أن الأمن المائى لكل من مصر والسودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى، والعبارة الثانية قال فيها وزير الخارجية المصرى سامح شكرى «إن صبر مصر تعرض لاختبارات عدة، وتصرفت مصر من منطلق حرصها وإدراكها لتبعات تصعيد التوتر على أمن واستقرار المنطقة»، العبارة الثالثة لوزير الخارجية القطرى محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، والتى قال فيها إن الجامعة العربية قد تتخذ «إجراءات تدريجية» لدعم موقف مصر والسودان بشأن خلافهما مع إثيوبيا حول سد النهضة. والعبارة الرابعة وردت فى بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب فى العاصمة القطرية الدوحة، ويطالب إثيوبيا بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية توقع الضرر بمصالح مصر والسودان، بما فى ذلك الامتناع عن ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق ملزم، ودعوة مجلس الأمن إلى اتخاذ الإجراءات التى من شأنها تجنب العواقب المترتبة على عدم التوصل لتسوية عادلة لقضية سد النهضة.

أما العبارة الخامسة والأخيرة فكانت صادرة عن إثيوبيا وعبرت فيها عن قلقها الشديد من الموقف العربى، وأن النيل ليس حكرا لمصر والسودان وحدهما، وقالت «كان على الجامعة العربية أن تحث على استمرار التفاوض من أجل حل يحقق أهداف الأطراف الثلاثة، وأن إثيوبيا تبذل قصارى جهدها لاحتواء مخاوف مصر والسودان، وتأمل بالدخول في حقبة جديدة من التعاون بين دول حوض النيل».

هذه العبارات الخمس مجتمعة ترسم صورة شاملة للأزمة، مثلما تؤكد أن العرب عندما يتفقون يشكلون قوة لها تأثيرها الكبير على الصعيدين الإقليمى والدولى، فالموقف العربى اتسم بالإجماع التام دون أى خلاف حول أى نقطة، على غير العادة فى السنوات الأخيرة، والثانى هو الاتفاق على أدوار منسجمة ومتكاملة، وأن الدول العربية سوف تتخذ مواقف أخرى فى حالة عدم تجاوب إثيوبيا مع المطالب العربية، وهى إشارة إلى أن البداية الهادئة تضع مجلس الأمن أمام مسئولياته فى ضمان السلم والأمن الدوليين، وكذلك ضمان الأمن المائى لمصر والسودان، وهو ما يمكن من اتخاذ مواقف أخرى تتوقف على مدى تجاوب أو تعنت إثيوبيا مع الموقف العربى المشترك المستند إلى القانون الدولى، وأن يتولى العضو العربى فى مجلس الأمن (من جمهورية تونس الشقيقة) مع اللجنة المشكلة من الجامعة متابعة تطورات الملف والتنسيق مع مجلس الأمن فى هذا الشأن.

أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة للجامعة العربية، لا تقتصر على إصدار بيانات تأييد أو تضامن، إنما تضع خططا وخطوات مدروسة، وتنسيقا بين الأطراف العربية، وتصورا مستقبليا يراعى كل السيناريوهات الممكن توقعها، ليكون جاهزا بالموقف والقرارات التى تناسب تلك التطورات.

كان من الممكن أن تكتفى الجامعة العربية بتدبيج بيان تأييد قوي وينفضّ الاجتماع، لكننا نجد حالة عربية جديدة كنا نفتقدها دوما، وهى أن تكون الجامعة العربية مؤسسة أكثر فاعلية، وليست مجرد مظلة لاجتماعات كل مهمتها إصدار بيانات، وإنما أمام مشهد فيه تقسيم أدوار يستثمر القدرات والطاقات العربية، وأن كل طرف عربى لديه ما يفعله، سواء بدراسة الاحتمالات، أومتابعة الملف فى مجلس الأمن، وأن تكون قد استكملت الجامعة مع مصر والسودان اتخاذ جميع السبل الدبلوماسية، واستنفدت كل الجهود الممكنة، من أجل اتفاق عادل وملزم، يضمن مصالح كل الأطراف.


ورغم أن بيان الجامعة العربية حرص على تغليب روح المسئولية، والحث على التوصل لاتفاق، دون استخدام عبارات شديدة اللهجة، فقد كان رد الفعل الإثيوبى معبرا عن حالة من الانزعاج الشديد، وأرى أن هذا الانزعاج الإثيوبى نابع من أنها لمست أن الجامعة تتصرف بكل حنكة سياسية، وأن لديها برنامجا للعمل الجماعى، وأن الجامعة رغم هدوء بيانها إلا أنها قررت التصرف الجاد والسريع والمستمر تجاه هذا الملف الحيوى الذى اعتبرته «قضية أمن قومى عربي»، وفق ما جاء فى مقدمة البيان العربى، ويعنى بشكل واضح أن القضية لا تخص مصر والسودان وحدهما، وأن التصرف الإثيوبى يمكن أن يضر الأمن القومى العربى بأكمله، ومن هذا التعبير الموجز والواضح والقوى فهمت إثيوبيا ماذا يعنى، وأن العرب يتصرفون برؤية وتوجه وتوحد وبخطوات مدروسة ومتدرجة، وكانت إثيوبيا تقلل من شأن اجتماع وزراء الخارجية العرب فى الدوحة، ولم تكن تتوقع منه إلا مجرد بيان سوف تتجاهله، لكن الانزعاج الإثيوبى كان له ما يبرره، لأنها تفاجأت بموقف عربى مختلف عما كانت تتخيله، فلم تستطع إثيوبيا إخفاء انزعاجها إزاء الموقف العربي الموحد، وهذا ما اتضح جليا من خلال إسراعها بالقول إنها تسعى إلى تحقيق الأمن المائى لجميع الأطراف، وإنها مصممة على استمرار الحوار من أجل احتواء أى تخوف من جانب مصر والسودان، وإنها ستتجاوب بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، وعبارات أخرى هادئة وأقل حدة من عنوان رفض الموقف العربى، بل حاولت أن تبدى مرونة أكبر، وتراجعت اللهجة المتحدية المعتادة من جانب إثيوبيا، وهذا يمكن أن نلمسه، لكن مع الحذر من أن تخفى لهجة حسن النية مآرب أخرى، لامتصاص الغضب العربى، وتفويت فرصة طرح الملف على مجلس الأمن لوقف الانتهاكات الإثيوبية، قبل أن يضعها فى موقف المعتدى والمتعنت وغير المكترث بالحقوق والحقائق.

إن الموقف العربى الموحد خطوة مهمة، تجلت فى خطة تحرك عربى مدروس وجاد، أما تصريح وزير الخارجية سامح شكرى، الذى أشار فيه إلى أن مصر صبرت طويلا، فله مضمون مهم يعكس السياسة المصرية الحكيمة التى أبدتها فى خوض سلسلة طويلة جدا من المفاوضات والتى تتمثل فى حرصها على أمن المنطقة، وليست نابعة من ضعف أو عدم وجود خيارات، وإنما صبر القوى الذى يريد استنفاد كل السبل الهادئة، أما فى حالة استمرار هذا النهج الإثيوبى وخطابها غير المسئول، والمتعارض مع كل الأعراف والقوانين الدولية، فإن مصر لا تستبعد الخيارات الأخرى، التى ظلت تتجنبها قدر الإمكان مهما كانت الفرص ضئيلة فى التوصل إلى اتفاق جاد وعادل ولا يلحق الضرر فى أى وقت بأى من الدول الثلاث، وإنها مضت فى كل تلك الطرق إلى نهايتها، حرصا على إرساء علاقات الأخوة والحوار والتعاون المثمر، والذى يحقق المصالح للجميع بشرط عدم إضرار طرف بباقى الأطراف، وألا يضع مصلحته فوق مصلحتهم، وألا يدعى أنه فوق القانون الدولى والحقوق التاريخية وكل الاتفاقيات، لأن هذا معناه جر المنطقة إلى حالة من التوتر، ويهدد الأمن الإقليمى، وعلى إثيوبيا ألا تجر المنطقة لهذا الوضع، لأنها لن تجنى من وراء طريق التحدى ومحاولة فرض الأمر الواقع إلا الندم، وأن عليها تغيير سلوكها، وأن تدرك مدى المخاطر التى ستتسبب فيها.

لقد كان للأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط وجميع الأطراف المشاركة دور مهم فى تغيير صورة الجامعة، وأن تتحول إلى مؤسسة فاعلة وقادرة على صون الأمن القومى العربى، بما سيكون له ثمار مهمة تحقق مصالح كل الدول العربية، ودلالة على أن العرب قادرون على التوحد، وعندما يتوحدون فهم قادرون على التأثير وتغيير المعادلات.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: