رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حروب الظل!

حروب الظل.. تعبير يطلق عادة على تلك النوعية من استخدامات القوة التى تجريها أجهزة المخابرات من أجل تحقيق أهداف سياسية منها أحيانا تأجيل لحظة المواجهة الشاملة أو منعها تماما من ناحية أخري. ولكن المفهوم وبشكل متزايد يستخدم عند الحديث عن حالات من الصدام العسكرى التى تركز على إعلان المصداقية فى التهديد أو إرسال الرسائل التى تفيد بأن المواجهة الشاملة سوف تكون مؤلمة لجميع الأطراف أو لخدمة عمليات تفاوضية جارية بالفعل. الأمثلة الجارية حاليا فى منطقتنا تتجلى فى ثلاث حروب للظل: واحدة بين إسرائيل وإيران فى سوريا، والأخرى بين الولايات المتحدة وإيران فى العراق، والثالثة بين إسرائيل والفلسطينيين فى القدس وغزة. الحرب الأولى متعددة الأوجه، ولكنها تدور حول قدرات إيران النووية والتى تريد إسرائيل منعها من الاستكمال بوسائل شتى احتوت على هجمات سيبرانية على نطنز بهدم العرقلة والمنع من ناحية، والضغط على طهران للتراجع الإقليمى من ناحية أخري.

ونقلا عن وكالة رويترز فى ٩ يونيو الحالى فإن مصادر مخابرات غربية ذكرت أن الضربات الإسرائيلية المتصاعدة على سوريا منذ العام الماضى جزء من حرب الظل التى وافقت عليها الولايات المتحدة. الضربات هى أيضًا جزء من سياسة مناهضة لإيران أدت فى العامين الماضيين إلى تقويض القوة العسكرية الواسعة لإيران دون بدء زيادة كبيرة فى الأعمال العدائية.

الحرب الثانية بين واشنطن وطهران ربما بدأت منذ زمن طويل، ولكنها أخدت منحى تصاعديا منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى فى أثناء إدارة الرئيس دونالد ترامب؛ واندفع المنحنى إلى أعلى بعد اغتيال قاسم سليمانى القاسمى قائد فيلق القدس فى 3 يناير ٢٠٢٠، وهو المسئول عن العمليات الثورية الإيرانية خارج إيران خاصة فى الدول العربية. عملية القتل ولدت غضبا هائلا فى طهران، وكانت الساحة العراقية حيث تمتلك إيران غطاء قوات الحشد الشعبى العراقية هى التى وجدت فيها إيران صيدا ثمينا ممثلا فى القوات الأمريكية المتبقية فى إيران لأغراض التدريب، ودعم الهجمات العراقية ضد تنظيم داعش الذى بدأ فى محاولة استرجاع نفوذه فى الساحة العراقية مرة أخري.وتتمركز القوات الأمريكية، وهى حاليا لواء من الحرس الوطني، فى القاعدة فى أربيل الواقعة فى إقليم كردستان شمال العراق؛وهو جزء من التحالف الدولي، الذى يضم قوات بريطانية أيضًا، ويدعمون القوات الكردية العراقية والسورية فى المراحل الأخيرة من القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.وفى حرب الظل هذه استخدمت الولايات المتحدة كما كبيرا من الضغوط الاقتصادية والعقوبات، وكان النظر إلى الناحية الأخرى سائدا عند الهجمات الإسرائيلية على إيران والتى استهدفت السفن الإيرانية المتوجهة إلى سوريا، مضافا لها أعمالا تخريبية داخل إيران نفسها. مؤخرا بدأت الولايات المتحدة فى التحرش بالسفن الإيرانية المتوجهة إلى فنزويلا حاملة الوقود، وربما أسلحة أيضا.

إيران من ناحيتها استخدمت الأدوات التى تستخدمها عادة من خلال التشكيلات والميليشيات الشيعية التابعة لها فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وتقوم على الاستخدام الكثيف للصواريخ والطائرات بدون طيار. واستخدمت إيران الطائرة بدون طيار، المليئة بالمتفجرات، مسار الرحلة المدنية إلى مطار أربيل لإخفاء نيتها حتى اصطدمت بمستودع وكالة المخابرات المركزية بالقاعدة الجوية الأمريكية بجانب المطار المدنى فى أبريل الماضي. وخلال العام ونصف العام الماضي، كان هناك نحو 300 هجوم على المصالح الأمريكية فى العراق، معظمها بصواريخ، بالإضافة إلى عبوات ناسفة استهدفت قوافل الإمدادات.

الحرب الثالثة كانت حتى وقت قريب حربا حقيقية جرت على مدى ١١ يوما بين تنظيم حماس الفلسطينى مؤيدا من فصائل فلسطينية متعددة أبرزها الجهاد الإسلامي، واستخدمت الصواريخ بشكل أساسى فى محاولات لضرب مناطق مأهولة داخل إسرائيل. الرد الإسرائيلى جاء فى شكل غارات جوية كثيفة على غزة دمرت الكثير من الأبنية فى مدينة غزة، ومعها الأنفاق التى يستخدمها الفلسطينيون فى الدفاع والاختراق لإسرائيل. وقبلها كانت حروب الظل جارية عن طريق استخدام الصواريخ من قبل حماس والجهاد الإسلامي، ويقابلها من الجانب الإسرائيلى القيام بغارات جوية وعمليات اغتيال للقادة. وعلى أى حال انتهت الحرب باتفاق لوقف إطلاق النار بعد تدخل مصرى كثيف شمل وقف القتال ومعه تمهيد الأوضاع لإعادة إعمار غزة. ولكن بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب الرابعة، وإعلان كلا الطرفين الانتصار، فإن إسرائيل عادت مرة أخرى إلى سياسات فرض الأمر الواقع داخل القدس التى تشمل الدفع بالمستوطنين والتنظيمات اليهودية المتطرفة لكى يتكثف وجودها وحركاتها السياسية فى القدس. ورغم أن مثل هذه السياسات كانت موجودة قبل اندلاع القتال، فإن هذه المرة الهدف يبدو محاولات من الحكومة الإسرائيلية السابقة التى كان يقودها نيتانياهو من أجل إرباك الأوضاع الإسرائيلية أمام تشكيل حكومة جديدة ينتهى فيها عهد نيتانياهو وحكومته.

المعضلة الكبرى هى أن حروب الظل عادة ما تكون تمهيدا ومقدمة لحروب كبيرة، ما لم يجر التدخل لمنعها. وقف إطلاق النار عادة خطوة فى الاتجاه الصحيح, ولكنها وحدها ليست كافية لاستعادة السلام والاستقرار ما لم يرتبط بها بدء عملية سلام نشطة.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: