أسهل شىء أن تتكلم.. أصعب «حاجة» أن تفعل!.
سهل جدًا أن تشتم وتلعن وترفض وتشجب وتزايد كمان!. الصعب جدًا أن تحول الكلام المرسل إلى واقع على أرض الواقع!.
فى عام 1948 حدثت النكبة.. باحتلال الصهاينة فلسطين وتحويل الفلسطينيين إلى لاجئين فى وطنهم وخارج وطنهم تحت سمع وبصر وموافقة دول العالم الكبيرة التى باركت اغتصاب العصابات الصهيونية الأرض الفلسطينية وغضت بصرها عن المذابح التى وقعت وفى مقدمتها بحور الدماء التى جرت فى دير ياسين والتى هى جريمة فى حق الإنسانية ووصمة عار على جبين أوروبا وأمريكا.. وجريمة حرب لا تسقط.. ولو أدانها العالم وقتها.. ما جرؤ الصهاينة على تكرارها طوال الـ73 سنة وآخرها الدمار الذى حدث فى غزة.. ومئات القتلى من الأطفال والنساء الذين قتلتهم آلة الحرب الصهيونية وهى تعلم أن أولياء أمر العالم.. لن يجرؤوا على قول كلمة حق مرة.. وليس لا سمح الله.. تصريح استنكار أو قرار إدانة.. وبطبيعة الأمور.. من أمن العقاب.. استمرأ الدمار والقتل وسفك الدماء!.
فى عام 1948 حدثت النكبة التى تمت بمعرفة وموافقة وتأييد ومباركة دول العالم الكبيرة المولودة بدون ضمير.. حتى لا ننتظر يومًا أن يستيقظ هذا الضمير!.
الشعب الفلسطينى لم يستسلم للنكبة التى حلت به!. الشعب الفلسطينى العظيم قرر النضال المسلح لاستعادة الأرض والعرض!. الشباب الفلسطينى والفتيات الفلسطينيات.. صنعوا أعظم ملاحم الفداء.. مقدمين أرواحهم فداء لفلسطين فى الحرب المستحيلة التى خاضوها على مدى سنوات.. ونجحوا فى أن يلفتوا نظر شعوب كثيرة لقضيتهم العادلة التى ينكر «كبار» العالم حقوقهم فيها!.
الشعب الفلسطينى لم يكن يعرف أن النكبة التى وقعت فى 1948 هى.. مثل أى زلزال.. له توابع «يعنى» نكبات جديدة!.
عين وصابت الفصائل الفلسطينية المسلحة!. رفقاء السلاح فى النضال ضد العدو الصهيونى.. اختلفوا.. والاختلاف فى الرأى وارد وطبيعى ومنطقى.. وبالحوار والحوار فقط.. ينتهى الخلاف ويتوصل الرفقاء.. إن حسنت النيات.. إلى قرارات يتوافق عليها الجميع وينتهى الخلاف!.
النكبات التوابع أثبتت أن حسن النيات غير موجود.. رغم أن القضية الفلسطينية لا تتحمل ولو خدشًا وليس ثقبًا فى جدار المقاومة!.
توالت النكبات.. والثقب الذى كنا نخشى اقترابه من جدار المقاومة.. حدث وفجوته فى جدار المقاومة اتسعت وواصلت الاتساع إلى أن أصبحت أوسع من نفق شبرا!. رفقاء سلاح الأمس.. رفعوا السلاح على بعضهم اليوم!. رفقاء السلاح فى المنظمات الفدائية الفلسطينية اختلفوا وانقسموا والأخوة أصبحوا أعداء!. من كان يخطر على باله.. أن منظمة فدائية فلسطينية.. تنصب كمائن لمنظمة فلسطينية أخرى.. وتقتل من تقتل وتأسر من تأسر!.
الشعب الفلسطينى الذى اتنكب فى 1948 وما كاد يرفع رأسه فخرًا بمقاومته.. اتنكب باختراق جدار المقاومة.. وبدلاً من محاربة العدو الصهيونى.. أصبحوا يحاربون بعضهم!. الشعب الفلسطينى المكلوم بالنكبة والمصدوم فيما حدث للمقاومة.. كان الله فى عونه وفى عون كل عربى مهموم بالقضية.. وهم يتابعون الصراع الفلسطينى الفلسطينى المسلح!. أى نكبة حلت علينا ونحن نتابع التصريحات الصادرة عن معسكرى «الأخوة الأعداء».. وهم يتكلمون عن مفاوضات قادمة.. لأجل تبادل الأسرى!. أى عار نحن فيه.. والكلام عن تبادل الأسرى.. بين فتح وحماس!. يا فرحة الصهاينة فينا!.
نعم.. العدو اخترق الجدار الفلسطينى وفرض واقعًا جديدًا للقضية الفلسطينية التى تبعثرت أوراقها.. وبات غاية المراد من رب العباد.. الأمل.. مجرد أمل.. أن تصفى النفوس وتنقى النيات وتنجح الجهود فى أن يتفق الأخوة الأعداء.. حماس وفتح.. على تحديد موعد للاجتماع معًا!.
المتحكمون فى المصير الفلسطينى.. العداء وضعهم على طريقين متوازيين يستحيل أن يلتقيا.. وبالتالى يستحيل أن تجد القضية حلاً!.
المزايدون على مصر ومن يعرفون وينكرون مثل من رفعوا شعار: على القدس رايحين شهداء بالملايين.. وما إن تمكنوا.. كانوا أول من خطب ود رئيس الصهاينة بأسلوب نفاق رخيص فى رسالة.. فضحت الأكاذيب الإخوانية وكشفت الشعارات الزائفة.. والقدس التى عاشوا سنين يخبرون أنهم رايحين يحرروها بالملايين نسيوها.. واليوم كتائبهم الإلكترونية تملأ التواصل الاجتماعى شعارات ومزايدات وأكاذيب!.
مصر من أول يوم من 73 سنة.. تعمل ولا تتكلم!. تعمل بحكم مكانها ومكانتها ومسئوليتها تجاه أشقائها!. شهداء مصر من حرب 1948 وما بعدها.. كمًا فى الأعداد وكيفًا فى الأداء.. إشارة واضحة لا تقبل مزايدة على دور مصر.. وعهدها ووفائها ودعمها للقضية الفلسطينية.. التى هى قضية العرب جميعًا.. لأن فلسطين فى قلب الأمن القومى للأمة.. وانكسارها كارثة على الأمة!.
المزايدون على القيادة السياسية المصرية.. إما أنهم يعرفون وينكرون أو أصلاً جهلة لا يعرفون.. النتيجة واحدة لأن مثل هذه القضايا.. الكلام فيها عن جهل كارثة والمزايدة خيانة!.
تحتمس أحد أعظم القادة العسكريين فى العالم.. هو من قال: أمن مصر القومى.. يبدأ من الحدود البعيدة لدول الجوار!. يعنى الاستفزازات الإثيوبية على حدودها مع السودان.. خطر على الأمن القومى المصرى.. فما بالنا والمشكلات على حدودنا الشرقية مباشرة!. أقول ذلك لمن يجهلون ثوابت الأمن القومى للوطن وارتباطه الوثيق بالأمن القومى للأمة العربية كلها!.
قدر مصر أن تكون بوابتها الشرقية منذ فجر التاريخ.. هى مصدر الخطر القادم على مصر.. إلا أن!.
مصر أكرمها الله بما لم تحظ به أى بقعة أرض فى العالم!. سبحانه وتعالى أعطاها نفحة ربانية.. بإطلاله عليها بنوره العظيم وصوته العظيم على أرض سيناء.. التى هى بهذا التكريم وذاك التشريف.. باتت أرضًا مقدسة زارها أغلب الرسل والأنبياء.. بداية من سيدنا إبراهيم ومرورًا بسيدنا يوسف وسيدنا موسى ونهاية بالعائلة المقدسة.. ولذلك!.
مصر إلى يوم الدين فى معية الله وآمنة بأمر ربها.. الذى جعل جيشها خير أجناد الأرض.. وفى رباط إلى يوم الدين!.
مصر تضع القضية الفلسطينية فى عقلها وقلبها.. فى الأمس واليوم والغد إلى أن يتحقق حلم الشعب الفلسطينى فى إعلان دولته التى عاصمتها القدس!. مصر بعد انتصارها العظيم فى حرب أكتوبر واسترداد أرضها.. كانت القضية الفلسطينية ومازالت على قمة اهتماماتها.. مصر وصلت إلى حلول جذرية تحقق حلم الشعب الفلسطينى فى إعلان دولته.. لكن المزايدات ولعن الله من اخترعها.. أضاعت أعظم فرصة لاحت.. لأن ما وصلت إليه مصر وقتها من اتفاقات.. يرفض الصهاينة حاليًا مجرد فكرة مناقشتها!. الرافضون المزايدون المشككون فيما وصلت إليه مصر عام 1977.. ما الذى قدموه بديلاً للشعب الفلسطيني؟. لم يقدموا للشعب الفلسطينى إلا الرفض والشعارات والمزايدات والتخوين!.
واليوم.. تعود المزايدات بنفس الشعارات ونفس الوجوه الكالحة التى لا تستحى.. وهى تكذب وهى تزايد وهى تركب موجة الغضب الشعبى الذى اجتاح وطننا العربى ولأول مرة شعوب غير عربية استفزها الجبروت الصهيونى فى مواجهة شعب قَدَره.. أن تتحالف دول العالم الكبيرة مع الصهاينة ضده فى عام 1948.. ونصيبه أن يختلف أبناؤه رفقاء المقاومة وهم فى منتصف الطريق.. وبات مكتوبًا على الشعب الفلسطينى أن يسدد فواتير الخلافات والقرارات الأحادية.. التى جلبت الدمار إلى غزة.. مرات عديدة.. نسأل الله أن تكون الأخيرة.. آخرها!.
مصر من 73 سنة لم تُغمض عينيها لحظة عن القضية الفلسطينية!. مصر مع الشعب الفلسطينى إلى أن ينعم بحقه فى العيش بدولته الفلسطينية وعاصمتها القدس!. مصر لم ولن تتخلى عن الشعب الفلسطينى مهما حدث من تجاوزات وراءها قوى إقليمية هدفها إبعاد مصر.. لأجل أن تبقى القضية الفلسطينية على حالها.. ويبقى الصراع قائمًا على حدودها وتبقى المزايدات على الشعب الفلسطينى!.
مصر تحركت من لحظة انفجار الغضب الفلسطينى فى القدس نتيجة العدوان الصهيونى.. تحركت فى صمت دبلوماسيًا على جميع المحاور.. اتصالات على أعلى مستوى فى جميع الاتجاهات.. موقف ثابت من 73 سنة رافض ويدين أى اعتداء من أى نوع على الشعب الفلسطينى!. الرفض ليس فى الغرف المغلقة إنما فى كل المحافل الدولية!.
مصر نجحت فى الوساطة التى قامت بها لأجل وقف العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى فى غزة!. الوساطة المصرية أوقفت إطلاق النار بدون أى شروط مسبقة!. مصر نجحت لأن موقفها واضح وثابت ومعلن ولم يتغير من 1948 وحتى اليوم!. نجاح مصر فى الوساطة.. شهادة عالمية إلى مصداقيتها وإلى ثقلها وإلى أهميتها وإلى قوتها الفاعلة تجاه قضية العالم المزمنة.. القضية الفلسطينية!.
أدعو الشباب المصرى إلى متابعة ما قاله العالم فى حق مصر.. وإلى الرسائل التى وجهها قادة العالم تقديرًا لمصر وقائدها الرئيس السيسى.. على التحرك المصرى الذى تم فى صمت إلى أن تم وقف إطلاق النار.. وأوقف بحور الدم الفلسطينى فى غزة!.
الرئيس الأمريكى بايدن فى خطابه بالبيت الأبيض عبر عن خالص امتنانه للرئيس السيسى وللمسئولين المصريين الذين لعبوا دورًا حاسمًا فى هذه العملية الدبلوماسية.. مشيدًا بوقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس.
وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية فى تقرير لها عن وقف إطلاق النار قالت: مصر وسيط لا غنى عنه.
كل دول العالم رحبت بالاتفاق الذى أوقف إطلاق النار فى غزة.. وأشادت بالوساطة التى قامت بها مصر.. والأهم من كل هذه الإشادات الدولية.. شهادة الشعب الفلسطينى نفسه فى غزة!.
بعد 11 يومًا من الدماء التى تسيل والأرواح التى تزهق والمبانى التى تُدمر.. خرجت مظاهرات فى غزة تحتفل بوقف إطلاق النار وبدء الهدنة القائمة بدون شروط مسبقة التى ترعاها مصر.. الآلاف من الشعب الفلسطينى يحملون الأعلام الفلسطينية والمصرية.. ويوجهون التحية إلى مصر وقائدها الرئيس السيسى.
لن أتكلم عن الإجراءات الأخرى التى نفذتها مصر على الأرض.. لأنها واجب والواجب حق للشقيق الأصغر على شقيقه الأكبر!. ما دفعنى لهذه الإشارة.. المزايدات الفجة التى دارت حول هذه النقطة تحديدًا.. بهدف الوقيعة وحتى تبقى الصدور مشحونة غضبًا!.
العدوان الصهيونى الأخير على قطاع غزة ليس هو الأول.. لكن ممكن أن يكون الأخير على الشعب الفلسطينى فيما لو اتفقت الأمة العربية!.
الإرادة العربية الواحدة.. كفيلة بإنهاء الخلاف الفلسطينى الذى مزق أوصال القضية!.
الإرادة العربية.. كفيلة بإنهاء عبث الأطراف الإقليمية فى القضية.. بما يضمن قيام قيادة فلسطينية موحدة تتكلم باسم كل الشعب الفلسطينى.. وتنهى تقسيم المقسم القائم حاليًا!.
الإرادة العربية إن اتحدت.. عندها أموال قادرة على تجنيد إعلام عالمى يبتلع كل أبواق الدعاية الصهيونية!.
إلى أن يحدث ذلك.. علينا هنا فى مصر ألا نجعل النجاح المصرى الأخير يغيب لحظة عنا نحن المصريين!. كيف؟.
أن نجعل القضية الفلسطينية حاضرة فى مدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا وأفلامنا ومسلسلاتنا.. باعتبارها أمنًا قوميًا مصريًا!.
حقنا.. أنا وأنتِ وهو وهى أن نفخر بمكان ومكانة مصر فى عيون العالم.
تعيشى يا مصر.. ويحميك ربنا يا رئيس مصر...
لمزيد من مقالات إبراهيـم حجـازى رابط دائم: