رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر الحاضنة للقضية الفلسطينية وكل العرب

لم يكن الدعم المصرى السريع والقوى للشعب الفلسطينى مفاجئا لمن يعرفون مدى ارتباط قيادة وشعب مصر بالقضية الفلسطينية، تلك العلاقات العميقة الجذور، والضاربة فى عمق التاريخ، خاصة غزة التى كانت لفترات طويلة جزءا من مصر، وظلت تحت الإدارة المصرية منذ حرب 1948، وانصهر الشعبان، وسالت دماء المصريين فى حروب لم تكن دفاعا عن فلسطين فحسب، بل عن الأمن القومى المصرى الذى تعد فلسطين أهم بواباته، التى تربطه بالشام وكل المشرق العربى.

كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى من الأشقاء الفلسطينيين فى غزة ينبع من مسئولية مصر ومكانتها وعلاقتها العميقة بفلسطين وشعبها، وفور إعلان الرئيس ذلك، قامت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة بتجهيز 11 مستشفى فى مصر بينها ستة فى القاهرة تضم 900 سرير ويعمل فيها 3600 من أفراد الطواقم الطبية، لاستقبال الجرحى الفلسطينيين، وفى مشهد مؤثر كان مستشفى العريش يرفع العلم الفلسطينى إلى جانب العلم المصرى عند قدوم أول دفعة من الجرحى، وطواقمه الطبية والتمريضية تهتف لأبنائها وأخوتها من الجرحى تعبيرا عن تضامنها مع الشعب الفلسطينى.

ليس هذا فحسب بل أعلن الرئيس السيسى تقديم دعم بلغ 500 مليون دولار إضافة إلى فتح حساب فى كل البنوك للتبرع لصندوق تحيا مصر التابع للرئاسة المصرية، لإعادة إعمار المنازل والبنية التحتية التى دمرتها الطائرات والقوارب الحربية الإسرائيلية، بالتزامن مع جهود مصرية مكثفة على عدة محاور لإيقاف الحرب على غزة، من اتصالات ولقاءات مع القادة العرب والدول الإسلامية والأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، لإصدار قرار سريع بوقف القتال، وإيجاد حل عادل وشامل يقوم على إقامة دولة فلسطينية على الأراضى المحتلة فى عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الموقف الذى لم يتغير، وبذلت فيه مصر جهدا كبيرا، الجزء الأكبر منه غير معلن، أو لم يحظ باهتمام إعلامى كبير.

وكان موقف مصر يشمل عدة محاور، أولها وأهمها توحيد الفصائل الفلسطينية، لتشكل قوة موحدة قادرة على اكتساب الشرعية الشعبية والدولية فى الأراضى الفلسطينية وباقى العالم، خاصة رأب الصدع بين حركتى حماس وفتح، وأن يعود الترابط بين السلطتين المتنازعتين فى الضفة الغربية وغزة، وامتدت جهود المصالحة لتضم كل الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها، وتواصلت تلك الجهود لسنوات طويلة، وحققت نجاحا مهما فى التقارب بين تلك الفصائل التى رأت أن وحدتها هى البداية الحقيقية والضرورية لتحقيق آمال الشعب الفسطينى وكل الشعوب العربية، لتصبح تلك الفصائل المتناثرة والمتنازعة أكثر قوة وتأثيرا فى سبيل إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة.

وكان المحور الثانى هو إقناع دول العالم بعدالة وأهمية حل القضية الفلسطينية، وسعت إلى نيل فلسطين اعتراف دول أوروبا والولايات المتحدة بحكومة فلسطينية موحدة، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، رغم الصعوبات الكبيرة الناتجة عن الشروخ والخلافات بين الفصائل الفلسطينية التى استغلتها إسرائيل فى المراوغة وعرقلة التسوية، واستفادت من هدر الوقت فى النزاع الداخلى فى ابتلاع المزيد من أراضى الضفة الغربية المحتلة، وسرَّعت وتيرة الاستيطان وتهويد القدس للحيلولة دون إنشاء دولة فلسطينية متماسكة على كل أراضيها المحتلة، وزاد من المخاطر تنامى اليمين الإسرائيلى المتطرف، الذى يعارض إقامة دولة فلسطينية، ويندفع إلى تأجيج الصراع وابتلاع الحقوق الفلسطينية، ووقفت مصر بكل قوة فى المحافل الدولية أمام تلك الإجراءات الإسرائيلية المخالفة للقرارات والقوانين الدولية.


وقد عبر وزير الخارجية سامح شكرى عن هذا الموقف المصرى الثابت فى الاجتماع الأخير لمجلس الأمن بقوله : «إننا نجتمع اليوم فى أعقاب شهر رمضان الكريم الذى شهدنا على امتداده احتكاكات واستفزازات لا مثيل لها بالمصلين من أهل القدس فى المسجد الأقصى المبارك، بالتوازى مع عملية تهجير، ضمن سياسة ممنهجة، لعدد من السكان العرب بحى الشيخ جراح بالقدس الشرقية، مما أغضب الملايين من العرب والمسلمين الذين ضاقوا على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما بدا تغييبًا وتسويفًا لا نهائيًا لوعود وتعهدات دولية ذات طابع قانونى بالتفاوض الجاد حــول إنشاء دولة فلسطينية على الأراضى التى تم احتلالها عام 1967 والتى تشمل القدس الشرقية»، وأوجز وزير الخارجية الموقف المصرى بقوله «لا سلام فى المنطقة دون إيجاد حل عادل ومستدام للقضية الفلسطينية، ونحن هنا لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، فالحل موجود، إذ إن حل الدولتين ما زال هو الخيار العملى الوحيد الذى ترتضيه جميع الأطراف».

إن الموقف المصرى الواضح والداعم لقضية الأشقاء الفلسطينيين ينبع من مسئولية مصر ومكانتها وموقعها القيادى وصوتها المسموع وقوتها الإقليمية والدولية، وهو موقف ثابت يستند إلى العدل واحترام الحقوق المشروعة والقوانين الدولية، ولم يتغير موقف مصر التى احتضنت كل الفصائل الفلسطينية، حتى فى أحلك الظروف التى مرت بها، ومهما اختلفت مع فصيل أو رأى أو توجه لأحد الفصائل الفلسطينية، لأنها الشقيقة الكبرى وملاذ كل العرب، ولا تنجر إلى خصومات تفرق الكلمة، بل تسعى دوما إلى توحيد مواقف كل الأشقاء العرب، ليكون تجمعهم وتوحد كلمتهم مفتاح الحلول لكل المشكلات، وأن يصبح للعرب القدرة والمكانة التى يستحقونها، ودرء أى خطر أو أطماع فى ثرواتهم وأراضيهم، وأن تتوجه جهودهم نحو التنمية والارتقاء ليصبحوا قوة موحدة ومؤثرة على الصعيدين الإقليمى والدولى.

فكان الموقف الشعبى الذى عبرت عنه الأحزاب المصرية ونقابة الأطباء واتحاد الصناعات وغيرها من الجهات الرسمية والشعبية دليلا قويا على هذا الموقف الداعم لشعب فلسطين وقضيته العادلة، ويؤكد الرؤية المصرية الواعية والشاملة القادرة على المضى قدما، لتفرض كلمتها وتدافع عن مصالحها، وحتى لا تهدر طاقاتها فى خلافات جانبية لا تخدم سوى خصومها، وتفتح الثغرات أمام استغلال تلك الخلافات لإضعاف دول المنطقة، والبحث عن حلفاء من خارج المنطقة، بدلا من تعزيز قدراتهم الذاتية.

أتمنى أن يكون الموقف المصرى قاطرة نحو طريق يقود إلى المزيد من وحدة الكلمة والهدف بما يحقق آمال الشعوب العربية.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: