رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رمضان والأعياد بين المخاوف والتفاؤل

تمر مصر والعالم العربى بثانى رمضان فى زمن الكورونا، وقد حرمتنا الجائحة من بعض البهجة التى تواكب الشهر الكريم، مثل لقاءات الإفطار الجماعى مع العائلة، وسهرات السحور مع الأصدقاء، وزيارة الحسين والغورية بمبانيها ومقاهيها العامرة بالمرح والدفء والمحبة بين أحضان الجامع الأزهر وضريح الإمام الحسين، وتشعر فيه بنفحات الشهر الكريم والمذاق المصرى فى الحى العتيق، كما خيمت علينا الأحزان، وأفقدتنا بعض أحبابنا, وأصابت آخرين، لأن الكثيرين للأسف لم يلتزموا بإجراءات الوقاية، أثناء الشهر الكريم الذى واكب عيد القيامة المجيد وعيد شم النسيم، فكان احتفاؤهم بالعادات وأشواقهم إلى البهجة أقوى من الوعى بالمخاطر، فلم يراعوا ضرورة عدم الوجود فى تجمعات والامتناع عن ولائم الإفطار الجماعى المحببة، ولا التجمع بعد الإفطار ومشاهدة المسلسلات، والسهر حتى الفجر، فكانت النتيجة فقدان عدد من أحبائنا.

لهذا كنت أحاول أن أقاوم رغبتى فى مشاركة عائلتى وأصدقائى الاحتفالات، وبالفعل تغلبت على تلك الرغبة الجامحة، ونصحت أحبائى بأهمية الالتزام بإجراءات الوقاية، لكنى كنت أجد من البعض عبارات لا تمت للعلم ولا الدين ولا المنطق مثل «اتركها على الله»، وتلك العبارات الاتكالية تتجاهل الأخذ بالأسباب وإعمال العقل، والتغلب على الرغبات فى زمن الجائحة والأولى بنا أن نقول «اعقلها وتوكل»، خصوصا مع ظهور التحورات الكثيرة فى الفيروس، الذى يراوغنا فيظهر بأعراض ومخاطر جديدة، آخرها كان التحور الهندى الذى ضرب مئات الآلاف فى أيام، ومازال يحصد الكثير من الضحايا فى مختلف أرجاء العالم، وإن كان أكثر لطفا بنا عن الكثير من البلدان التى اضطرت لإعلان الإغلاق التام.

ورغم كل تلك المآسى والعقبات كنا نحاول أن نستمتع بروحانيات رمضان، ونزيد من الاعتكاف والتعبد فهو صحة للروح والنفس ونجاة من الإصابات، ومازلت أعشق برامج الراديو وأستمع لابتهالات الشيخ النقشبندى وتلاوات كبار القراء الذين يتمتعون بصوت جميل شجى يحلق بالروح إلى السماء، لكنى تابعت بعض المسلسلات التلفزيونية التى أصبحت مثار خلافات بين المشاهدين على منصات التواصل، منهم المتخصص الذى يرصد المزايا والعيوب فى السيناريو والحوار والتمثيل والتصوير والديكور، ومنهم الهواة الذين يسارعون بالحكم على المسلسل من الحلقة الأولى، ويركزون على جانب واحد أو يلتقطون خطأ أو عدم توفيق فى مشهد، وإن كانت الآراء أغلبها إيجابية، وأظهرت الأعمال الكثير من المواهب الجديدة التى يمكن أن تعزز القوة الناعمة للمسلسلات المصرية التى لها جمهور واسع يتجاوز العالم العربى إلى المهاجرين العرب الذين يتشوقون إلى بلادهم ويرون فى المسلسلات تعويضا عن الغربة التى زاد من الإحساس بها التضييق على التنقل.

ومما يؤسف له أن بعض الجهات نظمت حفلات موسيقية أو إفطارا جماعيا رغم الموجة العاتية من الجائحة، وينبغى أن تكون تلك الجهات نموذجا يحتذى، ومازال ركاب المواصلات العامة لا يلتزمون بشكل صارم بإجراءات الوقاية، رغم حملات ضبط المخالفين وفرض غرامات فورية ، فهناك من لا يشعرون بالخطر إلا إذا مسهم ضرر مباشر أصاب أحد محبيهم.

ورغم أن الجائحة أثرت على فرحتنا بالشهر الكريم إلا أننى شاهدت وتابعت عددا من الظواهر الإيجابية، فالكثيرون ممن كانوا ينظمون موائد الرحمن، استبدلوها بتحضير وجبات جاهزة يجرى توزيعها على الأسر غير القادرة، ويتبعون إجراءات صارمة فى النظافة، ويسهم شباب متطوعون فى توصيل الوجبات إلى المنازل قبل الإفطار، ويفضلون هذا العمل الخيرى على البقاء فى بيوتهم والإفطار مع أسرهم، وشاهدت ممرضين وأطباء يبقون فى المستشفيات طوال اليوم لأن المرضى أكثر حاجة إلى وجودهم، وهناك مؤسسات وجهات ألغت الإفطار الجماعى، وقللت عدد العاملين المتواجدين وتوفر كل متطلبات النظافة والوقاية، وتوزع سلعا رمضانية بدلا من الإفطار الجماعى، وزادت التبرعات إلى المستشفيات، وأتمنى أن تعم هذه الظاهرة كل مؤسسات الدولة العامة والخاصة، كما أتمنى زيادة جرعة التوعية، والتسريع فى عملية التطعيم باللقاحات حتى نتخلص من تلك الجائحة التى أصابتنا جميعا بأضرار نفسية واجتماعية واقتصادية.


وهناك مبادرات شخصية من رجال أعمال، والكثير من القادرين الذين زودوا المستشفيات بأعداد كبيرة من المعدات الطبية والأجهزة والأدوية وغرف العناية الفائقة، ومبادرات أخرى بتوصيل الأدوية وأنابيب الأكسجين إلى بيوت المصابين الذين يفضلون عدم الذهاب إلى المستشفيات مادام لديهم مكان ملائم للعزل المنزلي.

أكثر ما أبهجنى أن هناك مبادرات عربية لاحتواء الخلافات بين البلدان الشقيقة، ولقاءات ومبادرات لتطبيع العلاقات وحل المشكلات عن طريق الحوار، وتلك المبادرات التى تواكب الشهر الكريم ستعم بالخير والسلام والرخاء على شعوب المنطقة، بدلا من هدر واستنزاف الطاقات والأموال فى مناوشات ومشكلات وحروب لا طائل منها سوى الدمار والأحزان والأحقاد، فهناك تحرك ملموس لحل الأزمة اليمنية سلميا، من جانب مصر والأردن والعراق، والكثير من الدول العربية تتجاوب وتظهر حسن النية مع مبادرات الحلول السلمية، لتضميد الجراح ورأب الصدع بين الدول العربية فيما بينها، ومع محيطها الإقليمى والدولي.

لكن هذا التوجه لم يمنع القيادة المصرية من الاستعداد لمواجهة أى تحديات أو مخاطر يمكن أن تمس أمننا القومى، فقيادتنا السياسية تعمل على كل المحاور، وتضع مختلف السيناريوهات فى الحسبان، وتحظى بالثقة والدعم الشعبى الواسع لمواجهة كل الاحتمالات، وإن كانت تجعل التوصل إلى حلول سلمية وعادلة ومنصفة للجميع فى صدر الأولويات، لكنها لا تتجاهل أسوأ الفروض وتعمل لها ألف حساب.

أتمنى أن تجتاز مصر والمنطقة العربية تلك المرحلة الحساسة، التى تجمعت فيها عدة مشكلات مصيرية، وأن ندرك أن تجمع العرب ووحدتهم يجعلهم أكثر أمنا وأقدر على تحقيق آمال شعوبنا، وأن يكون هذا العام نهاية للكثير من المشكلات لتندفع التنمية فى كل المجالات، ونكمل مشوار الإنجازات فى عالم أكثر أمنا واستقرارا.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: