رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فى فنون مقاومة التقدم؟!

تاريخيا، فإن السنوات السبع الماضية سوف ترصد في مصر من زاوية ما جري فيها من تغيير وتأثيره على تقدم الدولة المصرية ومكانتها في العالم مثلها مثل فترات تاريخية سابقة حكم على بعضها بأنها أخذت بمصر خطوات إلي الأمام، أو أخري أخذتها إلي الخلف، أو الثالثة أبقت كل شيء علي ما هو عليه بينما الزمن والعالم يسبقها إلي دنيا أخري. وفي دائرة الرصد هذه، ومن الزاوية العلمية، والدقة والتمحيص، فإن التاريخ سوف ينظر بدهشة وعجب في أساليب المقاومة، أو الثورة أحيانا، على ما حدث في المحروسة، وما لم يحدث أيضا لأنه منع من الحدوث أو أعاقت قوي ذات مصالح طريقه. وأولي هذه الوسائل هي الادعاء بأن التغيير ما هو إلا استيراد لأفكار ووسائل دول أخري، ولا يتماشى استخدامها مع قيمنا وظروفنا. وثاني هذه الوسائل فيما يخص التعليم على سبيل المثال أن يجري القول بالاختزال لما حدث فيكون القول: إنه ليس معقولا أن يكون الإصلاح قائما على تابليت لكي يبدو الأمر وكأنه مجرد استعارة لأداة من أدوات الغرب؛ أو أن يكون القول قائما علي ادعاء بالشمول فيذكر ما هو بديهي ومن طبائع الأشياء أن إصلاح التعليم لابد له وأن يكون شاملا للمدرس والمدرسة والمناهج حتي يكون الإصلاح حقيقيا وليس زائفا. في الحالتين فإن الفرضية المطروحة هي أن القائمين على الأمر لا يعرفون ما يقومون به، وأن حديثهم عن التغيير وشموله واستراتيجياته محض ادعاء. الوجه الآخر لهذه المسألة هي أن التواصل، والإعلام، والمعرفة بما يجري ليست قائمة بسلاسة ويسر ومتاحة بشكل متكرر حتى يصير مماثلا لما يعرف بأنه الحكمة العامة أو المعلومات الذائعة. الفن الثالث للمقاومة يأتي تحت شعار إجراء الحوار المجتمعي، ومثل ذلك مطلوب وفيه دليل علي حيوية المجتمع والعملية السياسية فيه؛ وهو ضرورة عند مناقشة السياسات العامة في أبعادها العليا والاستراتيجية. ولكنها من ناحية أخري لا تصح عندما نكون بصدد عملية فنية وتقنية مثل إجراء عملية جراحية ولتكن في قلب مفتوح فلا يمكن في هذه الحالة إجراء حوار مجتمعي حول عما إذا كان واجبا فتح القلب أو الاكتفاء بوضع دعامات وتوسيع الشرايين حتى تتدفق الدماء إلي القلب. تعديل المادة ٢٨ من قانون التعليم رقم ١٣٩ لعام ١٩٨١ والتي عرضت علي البرلمان كان مماثلا لهذه الحالة الفنية من إجراء تعديلات جوهرية في جسد العملية التعليمية في البلاد.

أحدث أساليب المقاومة – وهو فن رابع - هي التلويح بالدستور، أحيانا بشكل نسبي يبقي الباب مفتوحا للتفسير، عندما يُسبَب الاعتراض على تعديل المادة المذكورة بأن فيه شبهة عدم الدستورية. ولكن عندما يكون المعترض واثقا من نفسه فإنه يكون قاطعا في عدم دستورية التعديل المطروح. ولكن على مدي ساعات من الإشارة إلى المادة ١٩ من الدستور، فإن أحدا لم يذكرها على وجه النص. وهي، لمن لا يعرف، على الوجه التالي:

التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ٤٪ من الناتج القومي الإجمالي، وتتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.

هكذا كان نص المادة الدستورية المفتري عليها بأن عملية تعديل المادة ٢٨ من القانون تقوم على استعارة غير واجبة من تجارب عالمية لا تخصنا ولا تنفع معنا وظروفنا التي تختلف عن كل ظروف العالم، وهي حجة كثيرا ما تثار في كل ما يخص عمليات التحديث والعمران في مصر. المشروع المقدم من الحكومة يسهم بالفعل في إخراج الطلاب وأولياء الأمور من عنق الزجاجة، الخاص بامتحانات الثانوية العامة، ويخلصهم من الأرق الذهني بما يبديه من مرونة شديدة في نظام الثلاث سنوات، وأداء امتحان الثانوية العامة ورقيا أو إلكترونيا، ودخول الامتحانات لأكثر من مرة وتحسين المجموع. وهي مرونة ترفع الضغوط عن الطالب وأسرته، وتضاف لها قدرات استيعابية أكثر للمواد العلمية قائمة على الفهم أكثر من الحفظ والتلقين، وعلي تحمل المسئولية العلمية بدلا من الاعتماد على الدروس الخصوصية والسناتر. ما أخذ على المشروع هو أنه في حالة وجود طالب بعد أن يستنفد كل خطوات الامتحانات والاختبارات المجانية، وما معها من مساهمات مجانية أخري تبدأ بالتابليت ولا تنتهي ببنك المعرفة والقنوات التليفزيونية التي تغنيه عن كل أنواع الدروس الخصوصية التي طالما أثقلت كاهل الأسرة المصرية، فإنه إذا أراد تحسين مجموعه بإجراء امتحان في مواد، فإن عليه في هذه الحالة أن يدفع رسوما. هل يعتبر مثل ذلك تجاوزا لمبدأ المجانية واسعة النطاق كما رأينا أو لا أمر كان قابلا للنقاش، أو حتى الحذف من مادة التعديل؛ ولكنها بالتأكيد لا تبرر رفض التعديل بأكمله.

وبالتأكيد، أيضا فإن المادة المعدلة أكثر التزاما بالمادة ١٩ من الدستور لأنها أكثر اقترابا من معايير الجودة العالمية، وأكثر إنفاقا وأقرب إلي المعدلات العالمية، من القانون ١٣٩ لعام ١٩٨١ بدون التعديل المذكور والذي وصل بنا إلي ما وصلنا إليه. ولا شك أنه باستخدام تكنولوجيا متقدمة ومنفتحة على العالم وما فيه من ثقافات ومعرفة، يقرب الطالب أكثر من بناء أفضل للشخصية المصرية، ويركز فيها ليس فقط على المواطنة والاعتزاز بالشخصية المصرية، وإنما يضاف لها القدرة على المبادرة، والتفكير المتحرر من التزمت، وتحقيق ما نصت عليه المادة المذكورة من تأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار.


لمزيد من مقالات د. عبد المنعم سعيد

رابط دائم: