رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الرياضة والتنمية المستدامة

أصبحت التنمية المُستدامة موضوعًا رئيسيًا لمُختلف العلوم الاجتماعية من سياسة واقتصاد واجتماع كما أصبحت هدفًا لسياسات التخطيط الاقتصادى والاجتماعى فى مُختلف دول العالم، خاصة بعد تبنى الأمم المُتحدة هذا المفهوم واعتباره هدفًا من أجل القضاء على الفقر وتحقيق التقدم. ويرجع تعبير التنمية المُستدامة إلى عام 1987 عندما ظهر لأول مرة فى تقريرأعدته مؤسسة بروتلند السويدية بعنوان «التنمية والبيئة: مُستقبلنا المُشترك».

وفى البداية، ارتبط المفهوم بهدف المُحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها ولكنه توسع بعد ذلك ليأخذ مضامين جديدة وأصبح من المتفق عليه أن التنمية المُستدامة تُشير إلى التنمية المُستمرة أو تلك التنمية التى تمتلكُ عناصر استمرارها من داخلها ومن مُقوماتها الذاتية. وتُشير وثائق الأمم المُتحدة إلى أنها تلك التنمية التى تهدف إلى تعزيز الازدهار والفرص الاقتصادية وزيادة الرفاهة الاجتماعية وحماية البيئة لتوفير أفضل السُبل لتحسين معيشة الناس فى كُل مكان.

لذلك، فقد سعدت للدعوة التى تلقيتها من الاتحاد المصرى للرياضة الجامعية للمُشاركة فى ندوة عن دور الرياضة فى تحقيق التنمية المُستدامة فى 24 مارس الماضي. وأشكر كلا من د. صبحى حسنين الأستاذ بكلية التربية الرياضية بجامعة حلوان، ود. ماجدة الشاذلى الأستاذة بكلية التربية الرياضية بجامعة الإسكندرية على هذه الدعوة.. اهتممت بهذه الدعوة لأنها أتاحت لى فُرصة الحديث فى موضوعٍ أؤمن بأهميته. فالرياضة ليست مُجرد شغل أوقات فراغ بل إنها نسقُ اجتماعى فرعى يقوم بأداء عدد من الوظائف المُهمة تُسهم جميعها فى تحقيق التنمية المُستدامة. وقد أشارت الأمم المُتحدة إلى هذه الصلة فى قرارها الصادر عام 2015 الخاص بأهداف التنمية المُستدامة 2030 والذى ورد فيه أن الرياضة هى إحدى أدوات تحقيق التنمية المُستدامة.

وكما ذكرتُ فى كلمتى التى ألقيتها فى الندوة، فإن الرياضة تقوم بهذا الدور من خلال عنصر وسيط وهو دورها فى تكوين رأس المال الاجتماعى الذى يُشير إلى حاصل جمع وتفاعُل الموارد البشرية للمُجتمع من معارف وخبرات ومهارات وقُدرات والتى دونها لا يُمكن أن يحدُث أى تغيير أو تنمية لأى جانب من جوانب الحياة.

وأكدت نتائج البحوث أن الدول التى تشغل مكانًة عالية على مقياس الابتكار تتسم أيضًا بدرجة عالية من ممارسة الرياضة، ومُستوى عال من رأس المال الاجتماعي. فلم تعد العوامل الدافعة للتنمية تقتصر على تلك المادية كالأرض ورأس المال والعمل، بل أصبحت المعرفة والابتكار هى العوامل الأكثر أهمية فى المرحلة الراهنة من تطور التكنولوجيا فى العالم وهى مرحلة الثورة الصناعية الرابعة.

ويُمكن دراسة العلاقة بين الرياضة وتكوين رأس المال الاجتماعى من جانبين: الأول،يتصلُ بالمُجتمع ويُشير إلى الوظائف الاجتماعية التى تُسهم الرياضة فى تحقيقها والثاني، يتعلق بالأفراد ويُشير إلى مُساهمة الرياضة فى بناء قُدرات الأفراد وتنمية مهاراتهم. وفيما يتعلق بالجانب الأول، فإن الرياضة تُشارك فى تحقيق ست وظائف مُهمة تتضمنُ: وظيفة تنمية الشعور بالانتماء والفخار بالهُوية الوطنية ويظهر ذلك جليًا عندما ينتصر الفريق القومى لأى دولة فى المُنافسات القارية والعالمية، إذ يرتبط المواطنون بفرقهم الرياضية القومية ويعتبرونها رمزًا لهُم. وتُلامس جباههِم السِحاب عندما تحقق نصرًا غاليًا كما تقوم الرياضة بتعميق الانتماء على المُستوى المحلى والمناطقى فى داخل الدولة إذ ترتبط جماهير مدينة أو محافظة ما بالفرق التى تُمثلها. ووظيفة التكامل الاجتماعى من خلال مُشاركة ودمج لاعبين من كل فئات المُجتمع وشرائحه بمن فى ذلك المُهمشة وتزداد أهمية هذا الدور فى المُجتمعات ذات التنوع الثقافى واللُغوى والاثنى والجهوي. ووظيفة الارتقاء بالصحة العامة بتحقيق مستويات عالية من الصحة العامة واللياقة البدنية مما يؤدى إلى ارتفاع قُدرات الأفراد على التحصيل التعليمى وأداء العمل. ووظيفة التعاون الدولى من خلال التفاعل الإيجابى مع الشعوب الأُخري، والدورات والمُسابقات الرياضية ونذكر هُنا أن تنظيم الدورات الأوليمبية فى اليونان القديمة ارتبط بوقف الحروب والمُنازعات خلال فترة المُباريات فكانت شبيهة بفكرة الأشهر الحُرم فى تاريخنا. أضف إلى ذلك وظيفة الترفيه والاستجابة للمتطلبات النفسية والاجتماعية للمُشاهدين، والوظيفة الاقتصادية لها باعتبارها مجالًا للاستثمار وكسب المال.

وفيما يتعلق بالجانب الثاني، الخاص بالأفراد، فإن الرياضة تُمثلُ آلية للتنشئة والتعليم وغرس القيم وذلك من خلال قيمة المُنافسة والالتزام بالقواعد وحُكم القانون وقبول المكسب والخُسارة، وهى قيم أساسية لتنظيم العلاقات فى المُجتمع. فقيمة المُنافسة تدفعُ إلى العمل الجاد والرغبة فى الإنجاز، واحترام قواعد اللُعبة تغرس مفهوم القانون والالتزام بأحكامه، وأن قبول المكسب والخُسارة يؤدى إلى الاعتراف بأقدار الآخرين والتسامح. ثُم إن الرياضة تؤدى إلى بناء الثقة المُتبادلة والعمل الجماعى والتى تُشير إلى توليد طاقات جماعية تفوق قُدرة حاصل جمع كل فرد على حدة فمن خلال التفاعُل بينهم تتفجر قُدرات جديدة. والرياضة تُعزز من قُدرة الفرد على الاختيار واتخاذ القرار، وتقدم نموذجًا وقُدوة للشباب من خلال صورة الرياضيين.وأخيرًا وليس آخرًا، فإن الرياضة تُشجع قيم المُبادرات الفردية والأنشطة الطوعية على المُستوى المحلى بما يُسهم فى تنمية المجتمع المحلي.

ولهذه الأسباب، تشغل الرياضة مكانة مُهمة فى حياة الدول والمجتمعات. فقد نص الدستور المصرى لعام 2014 فى المادة 84 على أن «ممارسة الرياضة حق للجميع» مُشيرًا إلى دور الدولة والمُجتمع فى تحقيق ذلك. وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016، اعتبار يوم 6 أبريل اليوم الدولى للرياضة من أجل التنمية والسلام. واعتبرها الرئيس السيسى مسألة «أمن قومي».


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: