يندر فى العالم أن تجتمع كل هذه العوامل فى وقت واحد لتجعل أمورا معقدة أصلا أكثر تعقيدا أمام دولة أو دولتين فقط، مثلما يحدث فى مشكلة السد الإثيوبى هذه الأيام ضد مصر والسودان، مع التسليم بأن هناك بعض العوامل الفاعلة سابقة التجهيز من داخل إثيوبيا ومن خارجها، إضافة إلى عوامل أخرى مستحدثة يتعمد أصحابها أن يدسوا بها فى السياق. ومن أهم المصادفات الظاهرة على السطح أن يتهيأ المناخ العام فى إثيوبيا لكى يتصدر المشهد فى الوقت نفسه أصناف من النخب الأثيوبية صانعة القرار والمؤثرة فيه، منهم المتعصبون، خاصة من يكرهون مصر، ومنهم المندفعون فى السياسة وفى القرارات الضخمة دون إجراء الحسابات الواجبة، ومنهم من يجهلون قواعد السياسة ولا يدركون مقتضيات القانون الدولي، ومنهم من يعملون لمصلحة جهات أجنبية..إلخ، ويساند كل هؤلاء قوى من خارج إثيوبيا ممن يهمهم إضعاف مصر عبر التاريخ كلما بدت أنها تجمع الهمة للنهوض. يضاف أيضا المخربون الذين يحملون الجنسية المصرية، وقد كشف بعضُهم أنفسَهم بأنفسِهم على مواقع التواصل يطالبون أثيوبيا بأن تصمد أمام ما يسمونه مطامع وتهديدات مصر! فجاء خطاب هؤلاء الأخيرين فى التبجح بما لا يقل عن أكثر المتطرفين الإثيوبيين سفورا ضد مصر، وعن غلاة العداء ضد مصر فى العالم فى الماضى والحاضر. وكل هذا مجرد بعض إشارات عن واقع شديد التعقيد يتفاعل ليشكل أكبر خطر على حق مصر فى مياه النيل، وهو أخطر ما يهدد الحياة فى مصر، ولم يحدث عبر التاريخ أن بدا بهذا الوضوح، ليس كتهديد بفكرة أو بمشروع، وإنما كأمر قابل للتحول إلى واقع.
لا جدال فى أن مصر قادرة بالقوة على القيام بضربة تجهض مشروع السد، وأما التمهل والتدقيق وجعله آخر الاحتمالات، فبسبب الحسابات المعقدة حول التبعات فى اليوم التالى بعد الضربة، وليست العقوبات هى الأخطر رغم المعروف عن آلياتها ونتائجها، ولكن الأخطر ضررا الضربة على الشعب الأثيوبي، بينما سيبقَى يُغذِّى الكراهية والعداء ضد مصر فى علاقة أبدية لا تصح وتستقر بالكراهية والعداء.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: