الآن يمكن أن يقال دون تحفظ ودون تردد أن مصر حسمت موقفها بشكل نهائى من تطورات أزمة السد الإثيوبى فقد ذهبت إلى كينشاسا حاملة رسالة واضحة وصريحة من الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الرئيس الكونغولى فليكس تشيسكيدى بصفته رئيس الدولة الراعية للمفاوضات نيابة عن الاتحاد الإفريقى مفادها أن مصر تدعم جهود الوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق محدد وملزم قبل موسم الفيضان... وهنا أضع عشرة خطوط تحت كلمة قبل موسم الفيضان!!
وفى ذات السياق أكد سامح شكرى وزير الخارجية المصرى الذى يشارك مع وزير الرى المصرى الدكتور محمد عبد العاطى فى مفاوضات كينشاسا أن مصر تفاوضت على مدار 10 سنوات بإرادة سياسية صادقة من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونا حول ملء وتشغيل السد بما يحقق المصالح المشتركة لمصر والسودان وإثيوبيا مشيرا إلى أن هذه الجولة من المفاوضات بمثابة فرصة أخيرة يجب اغتنامها قبل موسم الفيضان المقبل.
الكلام إذن واضح ومحدد بشأن المضمون وبشأن التوقيت فلم تعد هناك فرصة للمماحكة حول حتمية التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا وأن يتم ذلك قبل موسم الفيضان المقبل حيث تقول إثيوبيا أنها ستذهب إلى الملء الثانى مع بدء موسم الفيضان بإرادة منفردة تمثل كل إشارات الاستفزاز وعدم احترام القانون الدولى!
إن مصر ترحب بالتفاوض ولكن ليس من أجل التفاوض فقط أو بدون سقف زمنى محدد ثم إن مثل هذه القضايا المصيرية مثل مياه النيل التى تمثل أمرا وجوديا بالنسبة لمصر لا يمكن التعامل معه بلغة الكلام المعسول والتصريحات المطاطة من نوع تكرار القول بأن إثيوبيا لن تضر بمصالح مصر والسودان لأن هذا الكلام لا يمثل مستندا قانونيا أو مرجعية سياسية يمكن الاحتكام إليها.
ربما يعزز من إصرار مصر على إلزامية وقانونية الاتفاق المرتقب وجود سوابق لإثيوبيا لا تبعث على الاطمئنان بينها الوعود الكلامية التى قطعتها إثيوبيا على نفسها لجارتها كينيا بأنها لن تسمح بنقصان كوب واحد من المياه نتيجة إقدامها على إقامة ثلاثة سدود على نهر إدفو المشترك بين الدولتين ثم كانت النتيجة انقطاع المياه تماما عن شمال كينيا وزيادة نسبة الملوحة فى بحيرة «توركانو» حيث لم تعد مياهها تصلح للشرب أو للزراعة!
هى إذن الفرصة الأخيرة التى أهدرتها إثيوبيا بتعنت واضح لا يمكن وصفه بأقل من كونه غيابا كاملا للرؤية السياسية عند أديس أبابا التى يغيب عنها - فيما يبدو - التقدير الكافى لمخاطر اللعب بالنار!!
وعلى كل من يهمهم أمن واستقرار المنطقة أن يتحملوا مسئولياتهم قبل فوات الأوان على ضوء ما جرى فى مفاوضات كينشاسا مخيبا للآمال!
خير الكلام:
<< كل المخادعين على طول التاريخ كانوا يتوهمون أنهم أذكى من الآخرين!
[email protected]لمزيد من مقالات مرسى عطا الله رابط دائم: