تسرَّع البعضُ فى اكتفائهم بالقول إن الرئيس السيسى وجَّه إنذاراً شديداً بضربة عسكرية لإثيوبيا، وبأن هذا الكلام نقلة نوعية فى الخطاب المصرى الرسمى منذ بدأت الأزمة. ولكن التعليقات المتأنية جاءت من بعض الخبراء، بعد وقت من تحليل دقيق لكلام الرئيس، عندما وضعوا يدهم على ما يتجاوز الكلمات المباشرة، ويصل إلى المعانى الأخطر المقصودة غير المعلنة ولكنها تدخل فى تضاعيف الكلام، وهى المعانى المهمة التى توارت فى القراءة المتسرعة التى التقطت إشارة واحدة من جملة المطروح.
وكان أولى ملاحظات المدققين أن الرئيس لم يذكر إثيوبيا صراحة، وإنما كانت إشارته عامة إلى أن أحداً لا يستطيع المساس بحق مصر فى مياه النيل، أى أن الكلام يسرى على إثيوبيا وعلى آخرين.
ثم إنه، وتأكيداً على نفس المعنى، قال إن هذا المساس خط أحمر، وإن له تأثيراً على استقرار المنطقة بأكملها، ثم أكدّ باللفظ أن لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة من مياه مصر، وحذّر من يريد أن يجرب إذا جرَّب، وأضاف المعنى الأكثر أهمية بأن لا أحد بعيد عن قوتنا، أى أن الموقف المصرى، أو أثره بمعنى أدق، قد لا يقتصر على إثيوبيا وحدها.
ثم إنه لم يقل كلمة واحدة عن السلاح، ولم يستبعده بكلمة واحدة، وهذا يعنى احتمال أن يكون وارداً، ولكن الأهم أنه طرح إمكانية أن تكون هناك احتمالات أخرى إذا استمرت هذه المفاوضات العبثية وإذا ما دخلنا فى مرحلة المساس بحق مصر، وترك الباب مفتوحاً لتوقع هذه الاحتمالات وكيف تكون.
وبعد كل هذا الوضوح حذر الرئيس من الأعمال العدائية لأنها أمر قبيح وله تأثيرات طويلة على الشعوب، وقال إن التفاوض هو الخيار الذى بدأته مصر، وإننا نأمل فى التوصل إلى اتفاق قانونى مُنصِف ومُلزِم يحقق المكاسب للجميع.
بعض المتسرعين يقطعون بأن إثيوبيا ارتبكت من كلام الرئيس لأنه يعرض واقعاً معقداً، وقالوا إن هذا هو سبب تأخرها فى الردّ، ولكنهم يغفلون عن أن إثيوبيا مجرد واجهة فى الأزمة وأنها تنتظر تعليمات الخطوة التالية.
[email protected]لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب رابط دائم: