رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أرسطو بين العلم والحكمة

فى قلب الشدة نأمل جميعا فى مخرج، فى معجزة إلهية، أو إذا كنا عقلانيين نأمل فى انجاز علمي.. ولكن هل يكفى العلم وحده أم أن علينا أيضا أن نتحلى بالحكمة؟كى ندرك الفارق بين العلم والحكمة يمكننا تأمل فلسفة أرسطو.

الفلسفة أم العلوم، قول شائع نعرفه جميعا.. ولكن فى الحقيقة لا ينطبق هذا القول على أى من الفلاسفة القدماء سوى على أرسطو. وذلك بسبب الإنتاج الضخم من المؤلفات الذى تركه لنا. فقد تناول الميتافيزيقا والفيزيقا والكيمياء والبيولوجيا والأخلاق والسياسة والشعر والدراما. ورغم ذلك لا يصح أن نعتبره مفكراً موسوعياً لأن صفة الموسوعى تطلق على من بذل مجهوداً فى الإحاطة بمختلف المعارف الخاصة بالعلوم فى عصره. فى حين أن أرسطو كان يعتبر بحق مؤسساً وممهداً لطريق سار فيه من بعده آخرون. صحيح أن أرسطو هو القائل إن الدهشة هى أولى خطوات العلم ولكن لا يكفى أن نفسر اهتماماته المتعددة بمجرد حب الاستطلاع.

كان يرى أن مهمتنا الأساسية هى أن نحدد الغاية من الحياة. والغاية فى نظره هى السعادة. والسعادة تنبع من الحكمة التى تأتى بدورها من المعرفة، وأهم ما يجب علينا معرفته هو الخير لأنه أساس السعادة. كل العلوم إذن تسهم فى تحقيق هذه الغاية. ولهذا يقسم العلوم إلى ثلاثة أنواع: علوم نظرية مثل الميتافيزيقا والرياضيات والفيزيقا والبيولوجيا، وعلوم عملية لأنها تمدنا بموجهات للسلوك مثل الأخلاق والسياسة، وعلوم تطبيقية أى تسمح لنا بابتكار ما هو جديد ويندرج تحت هذه الفئة كل ما يسمح بالإبداع من الشعر الى التكنولوجيا. أما المنطق فهو ليس علما ولكنه وسيلة تساعدنا على الوصول لنظريات علمية. كتابات أرسطو العلمية تدعو للإعجاب بسبب نظراته الثاقبة وتحليله الدقيق وصبره على التأمل وتنوع المناهج المستخدمة، بالطبع فهو القائل لايوجد منهج واحد يصلح لدراسة كل الموضوعات.ومن هذه الزاوية يكون قد قام بعمل جبار لأنه ابتعد عن التفسيرات الاسطورية والخرافية للظواهر وجعلها مهمة العقل الإنساني.

أنشأ أرسطو مدرسة الليسيه ورغم ذلك لم يكن له تلاميذ بعد وفاته فتم نسيان أعماله حتى أعيد إحياؤها فى الاسكندرية وسقطت فى النسيان مرة أخرى حتى أحياها الفلاسفة المسلمون. وعلى أساس نظرته للكون قامت الفلسفات اليهودية والمسيحية والاسلامية. ورغم تأثيره الكبير اعتبرت فلسفته سبب الجمود والتخلف. ففى بداية الحداثة هاجم ديكارت وفرانسيس بيكون المنطق الأرسطى واعتبروه عقيما. وألغى جاليليو التمييز الأرسطى بين حركة الاجسام فى السماء وحركتها فى الأرض. وبين أنها تخضع لقانون واحد. كما قدمت نظرية الجاذبية لنيوتن تفسيرا لسقوط الاجسام مخالفا لتفسير أرسطو الذى كان يرى أن الأشياء تتجه إلى ما يشابهها. واعتبر الفلاسفة المحدثون أن العلة الغائية، العزيزة على أرسطو، أى البحث عن الغاية من وجود الشيء لا ضرورة لها لتفسير الموجودات. لو نظرنا لأرسطو بوصفه عالماً ونظرنا لأقواله فى العلوم الطبيعية لجاز لنا القول بأن آراءه عفا عليها الزمان. وهذا يبدو طبيعيا فقد كتبت منذ أكثر من ألفى عام وهى فترة طويلة بالنظر لإيقاع تطور العلوم. فى المجالات الاخرى مثل السياسة والأخلاق والتعليم والفنون مازالت أفكار أرسطو حية وذلك لسببين أولهما أنها تتعلق بجوهر الانسان مع اختلاف العصور وثانيهما أنه لا مجال فيها، حسب ارسطو، للقول بحقيقة مطلقة.

عند أرسطو العلم الذى يدرس الخير هو السياسة لأن غايتها هى توفير الشروط لتحقيق الفضيلة فى المجتمع. والفضيلة الأساسية فى السياسة هى الحذر أو بعد النظر أو بحسب التعريف البديع لميكيافيللى هى فن ترويض الزمن. الأخلاق تهتم بصلاح الفرد. ولاتزال تعريفات أرسطو قواعد سارية مثل تعريفه للفضيلة بأنها وسط عدل بين رذيلتين، فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور, والحكيم لا يسعى إلى اللذة بل إلى تجنب الألم؛ والخير وحده ليس ضامنا للسعادة فى حين أن الشر وحده ضامن للشقاء. يشغل اعتدال الفرد اهتمام أرسطو ويقدم نظرات ملهمة تساعدنا على التحكم فى أنفسنا فهو يرى أن كل فرد يمكنه أن يغضب ولكن الصعب هو الغضب لأسباب معقولة وتوجيه الغضب لمن يستحقه فعلاً واختيار اللحظة المناسبة والمدة المطلوبة. لا يدعو أرسطو للسلبية واللامبالاة فالغضب فى نظره عاطفة مفيدة دونها لن نحقق أى انتصار ولكن علينا أن نستخدم الغضب لابوصفه قائداً لنا ولكن بوصفه جندياً عندنا.

يقول أرسطو إن ما علمتنى إياه الفلسفة هو أن ما أفعله دون أن يأمرنى أحد يفعله الآخرون خوفا من القانون. وحينما يلتزم الأفراد بالسلوك الفاضل لأنه أصبح بالنسبة لهم طبيعة ثانية وليس خوفا من العقاب تكون الدولة قد نجحت فى مهمتها.


لمزيد من مقالات د. أنور مغيث

رابط دائم: