رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حوار مع صديق أمريكى

مضت أكثر من أربعة عقود منذ وطئت أقدامي الولايات المتحدة حتى قيدت الكورونا حركة الطيران العالمية، وكان طبيعيا خلال هذه المدة التعرف علي الكثير من الأمريكيين، وأحيانا يكون الأمر أكبر من المعرفة وربما يصل إلي الصداقة، خاصة مع هؤلاء الذين يشاركون العمل في البحث والكتابة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والعلاقات المصرية الأمريكية. طبيعة العمل الأكاديمي والسياسي يخلق نوعا من الألفة والحوارات الدائمة حول قضايا نعرف جميعا مكوناتها الأساسية مع التسليم بأن كلا منا يقف في مساحة مختلفة سواء في الفكر أو المصلحة الوطنية. هذه المرة كان صديقي يقف في المعسكر الأمريكي الذي ناصر الرئيس بايدن في الانتخابات، وربما وجد من واجبه التبصير بموقف الإدارة الجديدة حتى لا يكون هناك تشاؤم كبير من مواقفها أو توقعات مبالغ فيها من تصرفاتها. الصديق كان مهتما للغاية في بداية الحديث بالتنبيه إلى ما اسماه أولويات الإدارة والتي تبدأ بمقاومة الكورونا والخلاص منها، وبعدها حزمة من آثارها في السياسة الداخلية ذات المشكلات الاقتصادية والاجتماعية؛ وفي الخارج فإن سلم الاهتمام يبدأ بأوروبا وحلف الأطلنطي وبقية الحلفاء، ثم بعد ذلك التواصل وإرسال الإشارات للصين وروسيا، وبعد ذلك كل شيء آخر. كانت الرسالة فيما يخصنا هو أن الشرق الأوسط ليس في دائرة اهتمام الرئيس، وعلي أهل المنطقة الانتظار حتى يأتي دورهم خاصة أن الرئيس مشغول بمراجعة سياسات ترامب وقلبها رأسا على عقب. لم يكن فيما قاله صديقي جديد لم نعرفه من قبل؛ ولكن المدهش أننا عرفنا بخطأ تجاهل بايدن للمنطقة بينما لا يزال صديقي يتحدث عنه كأنه الحقيقة. فما حدث فعليا أن بايدن بدأ بالفعل في ترجمة إشاراته فى أثناء الحملة الانتخابية إلى خطوات عملية كلها تجعل إيران هي قلب الشرق الأوسط النابض، وما بعدها من تحركات تجعل كل الطرق تصل إلى طهران. فلم تكن مراجعة صفقات السلاح إلى السعودية والإمارات، وإعلان صفقة سلاح قدرها ١٩٧ مليون دولار لمصر، وإعلان عن رفع صفة الإرهاب عن الجماعة الحوثية مصاحبة برفض أي اعتداء على الأراضي السعودية؛ مع ترطيب الموقف فيما يتعلق بالتسوية العربية الإسرائيلية باستئناف المساعدات للفلسطينيين، والإبقاء علي المكاسب التي حققتها إسرائيل مع رفض تأكيد ضمها للجولان؛ كل ذلك لم يكن إلا حزمة من الدبلوماسية المبكرة التي ترسل إشارات ورسائل سياسية لمن يهمه الأمر. فالحقيقة وأخذا بمعرفة الرئيس علي مدي عمره السياسي فإن حركته كانت أسرع بكثير مما هو متصور في الشرق الأوسط، ويكون مدهشا أن يكون التصور في واشنطن هو أن الرئيس يضع الشرق الأوسط في قاع سلم أولوياته! وفيما يخص مصر تحديدا فإن صديقي استغرق وقتا طويلا في المقدمة حتى يصل إلي أن موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان سوف يكونان مطروحين ولكن من منطلق كونهما قضية تستحق الاهتمام من طرفين تجمعهما مصالح مشتركة. وعلى سبيل التفصيل، وربما أيضا من زاوية التخفيف من الحديث في الموضوع، فإن هناك أمرا ينبغي علي المصريين أن يعرفوه وهو أن الإدراك Perception والصورة Image لمصر في هذا المجال ليست مستحبة وتحتاج مراجعة مصرية. ومرة أخري أصابني صديقي بخيبة الأمل، فالعلاقات بين الدول لا تقوم على أساس من الإدراك أو الصورة في الشارع السياسي، وإنما من المصالح المشتركة بين الأطراف.

والحقيقة أنه كان من ناحيتي تصورا أن التطورات التي جرت في واشنطن خلال الأسابيع الأخيرة من شأنها أن تضع هذه الإشكالية في العلاقات المصرية الأمريكية في حجمها الصحيح. فقد بات من المؤكد أن يوم الأربعاء السادس من يناير ٢٠٢١ سوف يكون يوما مشهودا في التاريخ الأمريكي؛ وهو اليوم الذي جري فيه اقتحام الكونجرس من قبل متظاهرين محتجين، وفرض التساؤل عما إذا كانت الديمقراطية هي المثال السياسي المثالي الذي وصل بالفعل إلى نهاية التاريخ؛ أم أنه يعاني عجزا خطيرا في كفاءة إدارة الدولة ونقل السلطة فيها. والتقدير هنا أن هذا الحادث يمكنه أن يعيد صياغة العلاقات في إطار مختلف عما جري عليه فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي هو في العادة من المجالات المتوترة في العلاقات المصرية الأمريكية. أولا أن الأحداث تعكس وجود يمين سياسي قائم على القومية البيضاء، وله قاعدة واسعة ظهرت في انتخاب ٧٥ مليون صوت للرئيس ترامب. هذا اليمين متعصب ومتطرف، وعندما قام بما قام به من تصويت ومشاركة في الأحداث، فإنه فعل هذا غافرا لترامب مواقفه الخاصة بالضرائب والتعامل مع النساء وحتى الشبهات الخاصة باتصالاته مع روسيا وموقفه السلبي من المؤسسات الأمريكية. هذا الموقف يماثل اليمين المصري المحافظ والمتعصب والمتطرف ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين بتاريخها القائم على الانفصال عن الدولة الوطنية بتقاليدها ومؤسساتها. وثانيا أن كلا من اليمين الأمريكي والمصري يوجد لديه نزعة للعنف والإرهاب، ورفض الآخر سواء كان من المهاجرين والأديان والأجناس الأخرى في الولايات المتحدة أو المسيحيين والنساء والغرب عامة في الحالة المصرية. وثالثا أن كلا من اليمين الأمريكي والمصري يعكس نزعة وتقاليد فاشية تقوم في أغلبها على نظرية المؤامرة وعدم الإيمان الحق في العملية الانتخابية حيث يري دائما أن عدم الفوز في الانتخابات يعني التزوير والتلاعب بالعملية الانتخابية مهما يكن رأي السلطة القضائية. ورابعا أن الأحداث في واشنطن عكست ضرورة التمييز ما بين حق المواطنين في التعبير، والتحريض سواء على العنف أو الثورة؛ وهو التمييز الذي عادة ما تسقطه الولايات المتحدة فيما يتعلق بمصر. وخامسا أن نفس النوع من التمييز لابد له أن يجري علي حق التظاهر وحق التجمع السلمي الذي تنص عليه الدساتير الأمريكية والمصرية؛ ولكنها في الوقت نفسه ترفض أن تكون أداة لشل الحياة الاقتصادية كما جري في أحداث رابعة في مصر؛ أو الهجوم على المؤسسات العامة كما حدث في الولايات المتحدة. لم يكن لدي صديقي أي من ذلك، كان للولايات المتحدة معايير، ولبقية العالم بما فيها مصر معايير أخري.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: