تبدو مفقودة تلك الشعرة الفاصلة بين عبقرية الرسام والمثال الإسبانى الراحل سلفادور دالى وجنونه! وكشف المسلسل الشهير «لا كاسا دى بابيل»، أحد أسرار جنونه، فيخفى اللصوص وجوههم وراء أقنعة لوجه دالى، المبالغ فى أدائه بنظرته المتسعة وشاربه الطويل، للإشادة بشخصية مواطنهم غير التقليدية. ففى فنه وحياته، قام بتجاهل القيود الاجتماعية. وتعكس الفكرة عدم الانصياع للتقاليد ومكافحة السلطة!
#
إنه من رواد فنانى القرن العشرين والمدرسة السيريالية، ويتميز عن زملائه السيرياليين، باتجاهه الروحانى وادخاله الرموز المسيحية فى لوحاته، بأعماله الصادمة، فتجعل المتلقى يتوقف ويفكر. وما يقربه للجمهور، أنه يعتمد على خطوط كلاسيكية لمعروفة، لكنه يضع عناصره فى اطار غير منطقى يثير الخيال. وكشفت اسكتشات تحضيرية غير منشورة عن أسرار جديدة للوحاته، مثل لوحته المهيبة «سر العشاء الأخير» فى 1955، من مقتنيات المتحف الوطنى للفنون بواشنطن العاصمة الأمريكية، الشخصيات الجالسة للمسيح عليه السلام وتلاميذه الإثنى عشر، وفى الأفق يلوح شخص ربما يكون أيضا المسيح فى السماء، بعدما نشر المؤرخان الفنيان، الأمريكى الدكتور كريستوفر هيث براون، والهولندى الدكتور جان بيير إسبوتس، كتابهما تحت عنوان «دالى: كيف غير عبقرى غريب الأطوار عالم الفن وأبدع إرثا دائما»، عن أسباب نجاحه وتأثيره على الموضة والأدب والفن حتى يومنا هذا. وأذاع إسبوتس لصحيفة «الأوبزرفر» البريطانية، أحد هذه الأسرار قائلا «اتضح أن دالى فنان مدقق، مما يتناقض مع صورته باعتباره سرياليا متدفقا، يرسم فقط كل ما يتبادر إلى ذهنه. وعلى عكس ما يبدو، فقد كان يقصد كل شىء فى فنه». وهو يتقن عمله ويقوم بالحسابات الرياضية الدقيقة، مثل أساتذة عصر النهضة، الذين قاموا بإحياء الفنون التقليدية الإغريقية والرومانية القديمة، لتظهر الشخصيات فى صورة مثالية. واستعان الكاتبان باقتباس لدالى يقول فيه «لطالما كان سر نفوذى أنه ظل سرا»! أى أن حالة الغموض التى يغلف الفنان بها نفسه، هى التى ضمنت جاذبيته، وأنه ليس مجنونا تماما، وتعمد الظهور علنا بشكل غريب الأطوار، واعتمد فى فنه على خطوات مدروسة وليست عشوائية!
#
واستمرارا لحلقة أسراره، فقد اعترف بسر لم تركز عليه الصحافة العالمية، وتعاملت كما لو لم يقل شيئا!.ففى سيرته الذاتية «الحياة السرية لسلفادور دالي» اعترف دالى بأصوله العربية. وقد ولد فى منطقة كتالونيا فى اسبانيا، وعاش مُرفها فى أسرة ثرية، ونتيجة تدليل والديه الزائد له، عُرف عنه سلوكه الطائش. وقال دالى إن اسم عائلته ليس اسما إسبانيا ولا كتالونيا، وقد اختفى تماما من شبه الجزيرة الأيبيرية، وبالتالى فهو من أصل عربى، وكررها باعتزاز فى مرات عديدة وبفرضيات مختلفة، منها أن أسلافه ينحدرون من المور، وهم مسلمو شمال إفريقيا، الذين فتحوا الأندلس، وأضاف «من هذه الأصول، ينبع حبى لكل ما هو مذهّب وفاخر، وشغفى بالرفاهية وعشقى للملابس الشرقية». وظهرت «الصحراء الإفريقية» فى لوحته «مشاهد»، ووصفها قائلا «أرسم دائما تلك المساحات الرملية الشاسعة..لا اعرف لماذا؟ لم أذهب إلى شمال إفريقيا من قبل! أظن أن الأمر يتعلق بارتباطى بالدم العربى». كما أن لديه لوحة غير مألوفة من المدرسة التعبيرية التجريدية، تحمل اسم «عربى». ولم يستبعد الكاتب الأيرلندى إيان جيبسون، أن دالى يحمل الدماء العربية أو على الأقل المغاربية، لأن لقب الدالى شائع للغاية فى البلدان العربية، مثل المغرب أو مصر، وربما يوحى بنوع من الزعامة، من خلال كلمتى «الدال» أو «الدليل»، وأن دالى الذى اعتبر نفسه «المنقذ» للفن الاسبانى، لو أدرك ذلك، لازداد فخرا بامتداد وندرة لقبه!.
رابط دائم: