رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المحاكمة...!

ما حدث يوم الاثنين ٨ فبراير الحالى فى شكل إجراءات لمحاكمة رئيس الجمهورية السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ يبدو تعبيرا عن ثلاث قضايا متشابكة: أولاها أن يوم المحاكمة هو امتداد ليوم آخر هو السادس من يناير عندما اقتحم متظاهرون الكابيتول مبنى الكونجرس الأمريكى ومقر السلطة التشريعية فى الدولة بمن فيه من نواب وشيوخ وموظفين كانوا معرضين للخطر بما فيه الموت. وثانيتها أن وراء المشهد أياما سابقة دارت حول ما جرى يوم الثالث من نوفمبر ٢٠٢٠ من انتخابات للرئيس فاز فيها المرشح الديمقراطى جو بايدن وخسر فيها الجمهورى دونالد ترامب المقيم فى البيت الأبيض. لم تكن عملية الانتخابات ونتيجتها سهلة حيث استغرق العد والتصديق على النتيجة وقتا طويلا، وفى أثناء ذلك كانت هناك اتهامات بالتزوير، والتقاضى حوله فى ٦٢ قضية فشل فيها الأخير فى إثبات التهمة. وثالثتها أن الإجماع الأمريكى قام على أن القصة كلها قامت على انقسام أمريكى كبير له روافده التاريخية العميقة التى تضرب فى البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وتسبب أزمة عميقة فى الديمقراطية الأمريكية جعلت الخروج فيها عن الدولة ممكنا. وقد ثبت من التحقيقات التى جرت مع ١٨٥ شخصا تم القبض عليهم بعد أحداث السادس من يناير أن اقتحام مبنى الكابيتول لم يكن قرارًا مفاجئًا بالنسبة لهم، وبدأ التخطيط لمثل هذه العملية بعد وقت قصير من خسارة الرئيس السابق ترامب فى انتخابات نوفمبر، مما ساعد فى نهاية المطاف على تجنيد ومساعدة عشرات الأشخاص الذين اتخذوا إجراءات عنيفة حاولت إيقاف مصادقة الكونجرس على تصويت المجمع الانتخابى الذى جرى فى ١٤ ديسمبر الماضي. وتظهر وثائق التحقيق كما جاء فى وصف لها فى صحيفة الواشنطن بوست فى ٨ فبراير الحالى أن أكثر من عشرين شخصًا متهمين فى الهجوم استشهدوا على وجه التحديد بترامب ودعواته للاجتماع فى ذلك اليوم فى وصفهم على وسائل التواصل الاجتماعى أو فى محادثات مع آخرين لماذا قرروا اتخاذ إجراء ما فعلوه من خلال القدوم إلى واشنطن؟ الطريق إلى المحاكمة فيه الكثير من الزوايا الدرامية، وحتى التراجيدية التى نجمت عن مقتل خمسة كان منهم رجل الشرطة الذى حاول تضليل المقتحمين، وكان منهم السيدة التى كانت قائدة لقاذفة القنابل الأكثر تقدما فى الترسانة الجوية الأمريكية، وحتى تكون الحبكة أكثر إثارة فإنه لأسباب غير معروفة حتى وقت كتابة هذا المقال فإن اثنين من ضباط الشرطة قاما بالانتحار بعد انتهاء الأحداث وهل كان ذلك بسبب شعورهما بالعار نتيجة اقتحام قدس أقداس السلطة الأمريكية أم أنهما كانا متورطين فيما جري؟ والحقيقة هى أن أحد المشاهد الجانبية ولكنها لافتة للنظر أن أفرادا من الشرطة والقوات المسلحة شاركت فى الأحداث؛ وأكثر من ذلك عندما انتهى الأمر وتقرر تنصيب الرئيس بايدن يوم العشرين من يناير وحماية حفل التنصيب بما بلغ ٢٥ ألفا فإنه جرت عملية للبحث فى ملفاتهم وتاريخهم فاكتشفت دستة من المشتبه فيهم أن يكونوا خطرا على الرئيس؟ وفى مثل هذه الحالات فإن القلق يظل دائما ماثلا عما إذا كان هناك رقم ١٣ الذى يحاول اغتيال الرئيس أو نسف المنصة التى يقع فيها مع حلفائه المقربين. لحظة الذروة على أى حال كانت بالفعل يوم السادس من يناير، وربما لن يحتاج أى من مخرجى الأفلام التى سوف تخص هذه المرحلة الحساسة من التاريخ الأمريكى إلا أن يعيد عرض فيلم قدره ١٣ دقيقة عما جرى فى هذا اليوم تم عرضه فى اللحظات الأولى عند بدء إجراءات المحاكمة. هذا الفيلم القصير كان مؤثرا للغاية حتى أنه أعطى دفعة كبيرة للادعاء المقدم من مجلس النواب بضرورة إدانة ترامب باعتباره كان محرضا على العصيان. ولكن هذه ربما كانت لحظة الذروة التى سوف تستدعى أشكالا كثيرة من الفلاش باك تعود بالوقائع إلى أصولها، والمشاهد إلى مكوناتها، وتأخذ الحدث ذاته عبر تطورات مثيرة فى مجلس النواب الذى يقيم الادعاء بالاتهام، ثم مجلس الشيوخ لإجراء المحاكمة.

قبل يوم واحد من خروج ترامب من البيت الأبيض بدأت إجراءات إقامة الاتهام على الرئيس، وعكست إجراءات التصويت حقيقة الانقسام الجمهورى الديمقراطى فأعفى أغلبية الجمهوريين الرئيس من المسئولية استنادا إلى أمرين أولهما أن حالة التحريض ليست حالة جمهورية خالصة وإنما لها سوابق ديمقراطية عديدة ناجمة عن حالة الانقسام السياسى الجاري؛ وثانيهما أنه إذا كان الرئيس بايدن يريد بالفعل توحيد الأمة الأمريكية فإن المحاكمة تفرق أكثر مما توحد. الديمقراطيون قالوا إن التوحيد لا يغنى عن المحاسبة، وإن واقعة الاقتحام والتحريض على العصيان الذى سبقها من قبل الرئيس من الجلل بحيث أن تجاهلها يعرض الجمهورية لأخطار بالغة. لم يستغرق لا التصويت ولا إقامة الادعاء على الرئيس وقتا طويلا فقد قامت الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب بالمهمة مضافا لهم ١٣ جمهوريا رأوا أن الرئيس ارتكب جرما كبيرا. افتتاح مشهد المحاكمة الفعلية فى مجلس الشيوخ بالفيلم التسجيلى مضافا له ذكريات النائب جيمى راسكين فى أثناء الأحداث الدامية فى حضور أسرته التى صاحبته فى ذلك اليوم أضاف بعدا إنسانيا لن يخفى على خيال مخرج. المناقشة الأولية كانت حول مدى دستورية محاكمة رئيس لم يعد رئيسا، وعرضت النصوص وجاءت السوابق، وانتهى الأمر بالتصويت الإجرائى بجواز المحاكمة وبأغلبية ٥٦ شيخا معها منهم ٦ من الجمهوريين، و٤٤ من الجمهوريين ضدها. الأمة منقسمة كما لم تنقسم منذ الحرب الأهلية، وأمريكا لم يعد فيها لا إبراهام لينكولن الذى حافظ على الاتحاد الأمريكى بالقوة المسلحة، ولا يوليسيس جرانت الذى هزم قوات الجنوب ثم بعد ذلك دخل مرحلة إعادة البناء. اللحظة هكذا درامية وحرجة، ونهايتها لا يمكن جعلها مفتوحة، فلابد من نهاية تحتاج أغلبية الثلثين، والديمقراطيون يحتاجون ١١ صوتا إضافيا لإدانة الرجل الذى أرهقهم طويلا، ولا يوجد فى الأوراق انقسام جمهورى يصل إلى هذه الدرجة. فى كل الأحوال سوف يكون الفيلم الأمريكى مثيرا للغاية.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: