رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تجديد الخطاب التنويرى

ليست رغبة للسباحة ضد التيار، أو للمخالفة المراهقة، أن يدعو المرء إلى خطاب تنويرى جديد يبعث الحيوية والحداثة فى ثقافتنا التقليدية كلها، وليس فى مكونها الدينى فقط، الذى ندعو إلى تجديده منذ أمد بعيد دون نتائج محسوسة، ودون أن أغضب أحدا من الأصدقاء المعنيين بقضية التنوير بصدق وإخلاص، أكرر الدعوة إلى أن نراجع معا أسباب القصور فى تنوير المجتمع، والحاجة إلى تغيير جذرى لمحتوى خطابنا التنويرى وأساليب تقديمه، والسعى إلى توفير البيئة الثقافية والفكرية السامحة باستيعابه وتبنيه. إنه نقد ذاتى تستدعى الأمانة طرحه بصورة مباشرة، توضح المشكلة وتسعى إلى الحل.

وأود أن أبدأ الحديث بحقيقة مؤسفة لا يمكن إنكارها أو التقليل من أهميتها؛ كل مصطلحات التنوير تلقى ردود فعل سلبية، تتراوح بين الرفض والريبة وعدم الارتياح. لا أتحدث عن مبادئه النظرية العامة، كالعقلانية والعلم والإنسانية والتقدم، لأن قبولها «المجانى» سهل ولا يكلف الإنسان غير المستنير أن يقبل التبعات التطبيقية لها، التى تنظم المجتمع والعلاقات بين أفراده وجماعاته على أساسها. حدثه بصورة تناسب سياقنا الخاص ـ كما سنوضح فيما بعد ـ عن حرية التفكير والتعبير، والدولة المدنية، حقوق الإنسان والمرأة، الديمقراطية، وأعتذر بشدة قبل أن تذكر العلمانية، المتهمة مسبقا ودون مناقشة بالكفر. وحدثه عن التخلص من الماضوية، وليس من الماضى الذى يجب أن نستفيد من دروسه الإيجابية والسلبية فى الحاضر والمستقبل، لن يريحه كلامك. وفى نفس الوقت، تنجح الخطابات الماضوية فى التغلغل فى المجتمع بصورة أكثر نجاحا، لتوظيفها المغرض للدين والعادات والتقاليد المحافظة. وبذلك يسهل انجراف البعض نحو ما نعانينه، من تطرف وعنف وغسيل أدمغة يصنع الإرهاب والإرهابيين. هذه هى المشكلة الكبرى بالذات، وغيرها من مشكلات قصور الوعى فى مختلف نواحى الحياة الثقافة / الاجتماعية، والسياسية / الاقتصادية، بل والحداثية / المستقبلية. لا حل لهذه المشكلات كلها إلا بخطاب تنويرى ناجح، كل دعاة التنوير مطالبون بالمساهمة فى إبداعه، لا نستثنى منهم أحدا، بل ونتمنى زيادتهم كما وكيفاً، لنصل إلى الكتلة الحرجة القادرة على التأثير والتغيير، ومواجهة جحافل أعداء التنوير.

هل تعرفون المشكلة الجذرية فى خطاب التنوير الحالى، ولماذا يبدو أقل نجاحا بكثير عن خطابات التطرف؟ أنه ماضوى مثلها، وهى فى الدعوة لماضويتها أكفأ منه. لقد تغير العالم كثيرا عن زمن التنوير الأوروبى فى القرنين السابع عشر والثامن عشر. لم تعد صورته ميكانيكية كما قدمها نيوتن مثلا. كذلك كان الفكر المصاحب لها أكثر بساطة ويتبنى الحقوق الطبيعية والقانون والعقد الاجتماعي. أما خطاب التنوير الغربى الحديث فقد قدم صورة أعقد للعالم، تعتمد على علم جديد يدرس النسبية والكم والشواش والتعقد والمنظوماتية والتدخل فى كل أشكال الحياة. ولا مانع عنده من أن يربط البعض بين الروحانية والعلمانية، وبعد ذلك مرحلة جديدة للتنوير. وبينما يقتصر حالنا وخطابنا على التحديث المادى دون حداثة فكرية، يتناقش العالم المتقدم ما بعد الحداثة وما بعد الإنسانية، ويعمل على تشكيل عالم بازغ شديد الاختلاف.

إن المجال لا يتسع لتفصيل كل ذلك، ولكن أدعى أن التنوير عندنا لم يحتف بالعلم بالقدر الكافى، ولم ينتج نموذجا حداثيا يقنع به المجتمع ويعمل على تطويره من داخله والنهوض به ومعه. أعترف بأننا فى مجملنا أبدينا انبهارا بالنموذج الغربى القديم وأدبياته، كما أقرر أن قلة من الأدعياء فى تعاملها مع الماضوية، أغضبت الكثيرين بالاجتراء على الماضى مما أوصل إلى كراهية التنوير ومصطلحاته كما ذكرنا. فمع رفضنا المطلق لتقديس التراث، ليس من باب التنوير تجريس التراث. نحتاج إلى قراءة نقدية شديدة الجراءة، لا الاجتراء. نحتاج إلى نسخ حداثية حديثة من طه حسين وعلى عبد الرازق، وامتدادا لنصر أبو زيد. وإن أردنا نجاح التنوير فعلاً، لا ننسى مشرفة كرمز لمكون العلم فى مشروعنا التنويرى، لن ينجح التنوير فى مجتمعنا دون ثقافة علمية جادة، تأليفا وترجمة وبرامج مسموعة ومرئية، وتوظيفا لوسائل التواصل الاجتماعي. ولا شك فى أن التعليم الذى يكسب الأجيال الجديدة مهارات التفكير الناقد والمنهج العلمى والوعى المستقبلى سيكون أكبر ذخيرة للتنوير، الذى يعد الظهير الحقيقى للنهضة المرجوة.

 

> جامعة الزقازيق


لمزيد من مقالات د . أحمد شوقى

رابط دائم: