رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما بدا لك

فى أحدث دواوينه، وهو الثامن، بعنوان: ما بدا لك، يواصل أمين حداد بنجاح بحثه الدؤوب عن مداخل ودروب جديدة للشعر، فى مسيرة بدأت من أربعين عاماً, ظهرت فيها، منذ ديوانه الأول ريحة الحبايب، موهبته وأصالته وصوته المختلف. وعبر دواوينه التالية تأكدت لديه تلك الأصالة, وتحولت من التلقائية إلى الرغبة والمحاولة الواعية للإتيان بنص جديد، واستكشاف المزيد من احتمالات الشعر ولغاته وأشكاله وقوالبه. وكان من الفطنة الفنية بحيث لم يقبل، قبول العقيدة والتبعية، مدرسة ما من مدارس الشعر، وفى الوقت نفسه لم يرفض تماماً أى منهج من مناهج التعبير الشعرى، بل استفاد من كل ما سبقه وجايله وتلاه، دون أن ينضم إلى صفوف أى حركة شعرية بعينها، فظهرت فى شعره مثلاً تأثيرات قصيدة النثر والشعر العمودى الكلاسيكى سواء فى نماذجه التراثية الفصحى أو قوالبه الزجلية، لكن لم يستوعبه بالكامل شكل أو لغة أو منهج، فصار يكتب قصيدة التفعيلة الموزونة دون تقديس أو خضوع لقوانينها الموسيقية الصارمة، بل مزج بها النثر بدرجات متفاوتة. وأحياناً يكتب نثراً خالصاً دون أن يتخلى عن التقفية، أو بغير قواف. ورغم أن معظم شعره عامي، إلا أنه يلجأ أحياناً, وفى الأعوام الأخيرة بشكل متزايد، للفصحي، وأحياناً يمزج فى نفس القصيدة العامية بالفصحي. وفى ديوانه الثامن الصادر مؤخراً ما بدا لك، والذى يمكن قراءة عنوانه على أنه تعبير عامى أو فصيح، تتقاسم العامية والفصحى جزءيه، فتنفرد العامية بالجزء الأول سيبك من اللى فات، وتحتكر الفصحى جزءه الثانى سرٌّ فى العلن, ويحتشد الجزءان، ربما أكثر من كل دواوين أمين حداد السابقة، بمحاولات التجديد فى لغة القصيدة وعالمها، ويحقق النجاح فى ذلك إلى حد بعيد؛ حتى إنه يمكننا القول إن كل قصيدة فى هذا الديوان، سواء فى جزئه الفصيح أو العاميّ، هو محاولة لخلق شيء جديد على الشعر، سواء ما كتبه الشاعر من قبل، أو ما كتبه الشعراء عموماً، واختراع مخلوق فنى قادر على أن يطربنا، ولكن فى كل مرة بملامح ومزاج وشخصية إبداعية مختلفة. فى كل دواوين أمين السابقة يجد القارئ قصائد من هذا النوع، وسط قصائد أخرى تشبه شعره عموماً ولها ملامحه العامة. أما فى «ما بدا لك»، فغالبية القصائد هى اختراعات أدبية وسِكَك إبداعية تدخل إلى الشعر كل واحدة منها عبر مدخل جديد وغير متوقع. وإليكم بعض النماذج: حضن الحبيب دفءٌ.. وصدقةٌ جارية (من قصيدة: ماذا ترتدين الآن؟).

“ركّب لى فى موبايلى شريحة/ وف شرايينى الدعامات/../ لففنى حوالين البيت وحديقة الطفل/ أربع لفّات/ بين الأسفلت وبين الخضرة/ والعربيات الراكنة وبتشم البودرة/ واتأمل أحوال الإشارات/ كل إشارة وليها مَطَبّ/ وكل مَطَبّ عليه شحات.. (من قصيدة: من فضلك).

الشعر ساعات يحتاج لسذاجة/ وساعات يحتاج للخبث/../ أقرب شجرة اللى قصاد الشباك/ ح اختار من أوراقها الورق الأصفر/ الواقع حواليها (من قصيدة: فرق التوقيت).

ما بانتظرش المعجزات/ العادى هو المعجزة (من قصيدة: ما بيعجبنيش العجب).

رجلٌ يعيش أبداً ويموتُ غداً ويحزن كمداً ويضحك مجدداً ويضيع بدداً ويكتب مُخَلّداً ويعشق بلداً ويحسبها.. عدن/ رجل عاديٌّ.. خالص” (من قصيدة: رجل عادى خالص).

هذه مجرد مذاقات عابرة لعملية تجديد عارم بدأت منذ أربعين عاماً وثمانية دواوين وما تزال مع الزمن تزداد عرامة، فتَحية لهذا الشاعر الموهوب المجتهد، الذى لم يقنع بثراء الموهبة وما يأتى عفو الخاطر، بل يجاهد دائماً ويخاطر من أجل الإتيان بجمال جديد.


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: