تعد القارة الآسيوية هى القارة الأم بين قارات العالم القديم الثلاث، ففيها ظهرت الديانات وازدهرت الحضارات فضلًا عن الثقل السكانى والتعدد الثقافي، إنها قارة الصين والهند واليابان، على أرضها خاطب موسى الكليم ربه، وولد المسيح عليه السلام وظهرت الدعوة المحمدية، كما أضاءت أنوار الإسلام الجزيرة العربية لذلك فإن القارة العجوز هى الأكثر تأثيرًا فى حياة الإنسان ومسيرته على الأرض عبر مئات القرون، وإذا كنا نزعم أن الحضارة الأوروبية أكثر انتشارًا وتأثيرًا فإن ذلك يرتبط بالقشرة الخارجية التى تزامنت مع عصر النهضة الأوروبية والثورة الصناعية الكبرى وما نتج عنهما من سبيكة حضارية تمثل المظهر العام للحياة المعاصرة، وإذا كنا ندرك أن ثلثى سكان الدول العربية يعيشون فى القارة الإفريقية إلا أن الثقل التاريخى لمفهوم العروبة يرتبط بالحضارة العربية الإسلامية التى انطلقت مع رسالة الإسلام من الجزيرة العربية إلى الشام ثم العراق حتى انتشر الدين الجديد فى ربوع آسيا التى أصبحت القارة التى تضم الأغلب الأعم من مسلمى العالم، وهى قارة الأساطير الكبرى والديانات الأرضية أيضًا، إنها قارة اللغات المتعددة والتركيبات السكانية المختلفة التى جعلتنا دائمًا ننظر إليها باعتبارها القارة التى تضم جميع الألوان.. الجنس الأصفر والأسمر والأبيض يعيشون فى ربوعها وبين سهولها ووديانها وفى مدنها وقراها وأحراشها، وانتماء العرب لآسيا انتماء يعتزون به ويدركون قيمته، ففيها المقدسات والمزارات والآثار الرائعة والتراث القديم، ومازلت أتذكر أننى كمصرى ينتمى إلى القارة الإفريقية أشعر باعتزاز لوجود المثلث الآسيوى فى الخريطة المصرية، وأعنى به شبه جزيرة سيناء، وأتذكر ذات يوم وأنا سفير لبلادى فى فيينا وكنت رئيسًا للمجموعة الإفريقية أننى تلقيت دعوة من رئيس المجموعة الآسيوية لحضور اجتماع مجموعته، وعندما أبدى بعض الحاضرين دهشتهم لوجودى تولى هو الرد عليهم، وقال إن مصر دولة إفريقية آسيوية مثلما أن تركيا دولة أوروبية آسيوية أيضًا، ويرتبط العرب الآسيويون بقارتهم من خلال المناسبات الرياضية والبطولات السنوية ولكن هناك ارتباطًا آخر بين عرب الجزيرة وسكان وسط وجنوب آسيا خصوصًا من خلال العمالة الآسيوية التى تدفقت فى العقود الأخيرة على دول الخليج بأعداد هائلة، وقد خلقت نوعًا من الامتزاج السكانى بين العرب وأبناء قارتهم الآسيوية كما يجب ألا ننسى أن الإسلام قد انتشر من خلال التجارة العربية لأبناء اليمن وعمان وغيرهما من الدول التى زحفت شرقًا حتى أن وزير خارجية إندونسيا كان ذات يوم يمنى الأصل، ويهمنى هنا أن أطرح بعض الملاحظات:
أولًا: إن القارة الآسيوية هى الأكثر كثافة فى السكان وازدحامًا بالتعددية، وقد عشت شخصيًا سنوات فى دولة الهند ورأيت كيف تتجاور اللغات والديانات والأعراق، وكيف تنتشر الأساطير التى صنعت معتقدات اشتهر بها الآسيويون دون سواهم، ولذلك فإننى أظن أن العمق الآسيوى للعرب يمثل رصيدًا هائلًا فى وجودهم المعاصر.
ثانيًا: إن القارة الآسيوية هى مستودع القيم ومخزن التقاليد فى كثير من دول العالم، ولا يمكن أن نتصور العالم فى غياب القارة الآسيوية فهى طرف فى كل الحضارات وشريك فى كل الديانات وملتقى لكل الأجناس، ويكفى أن نتذكر الإحصائية التى تقول إن كل خمسة أفراد من سكان العالم بينهم اثنان من الصين أو من الدول المجاورة لها، فالمعروف أن منطقة الهند الصينية تعنى التداخل بين المؤثرات الصينية والتأثيرات الهندية، وكلما ابتعدنا عن أحدهما زاد نفوذ الآخر، ولكن تبقى التسمية بحق هى (الهند الصينية).
ثالثًا: إننى أتذكر فى أثناء عملى مع رئيس الجمهورية الأسبق أننا كنا فى زيارة لبكين، وفى أثناء الاجتماع مع رئيس الدولة الصينية وكان زعيمًا طاعنًا فى السن، تحدث ذلك الصينى العجوز عن الاتهامات الموجهة لبلاده بخصوص قضايا حقوق الإنسان، وقال إن على الغرب أن يدرك أن أى اضطرابات فى الصين يمكن أن تقذف بما يقرب من مائتى مليون صينى لاجئ إلى خارج الحدود وبذلك تتغير الخريطة السكانية للقارة الآسيوية بل للعالم كله.
رابعًا: إن الصين هى أرض (كونفوشيوس) و(بوذا) والفلاسفة الأوائل ممن تعاملوا مع الديانات الآسيوية الأرضية إلى أن تطورت درجة الرشد وانتشرت المسيحية فى ربوع القارة حتى أن هناك رأيًا يقول إن الصين يمكن أن تتحول بعد عدة عقود إلى أكبر دولة مسيحية فى العالم إذا استمر معدل اعتناق تلك الديانة فى تزايد كما هو الآن نتيجة الإرساليات التبشيرية والجهود التعليمية فى أنحاء القارة.
إننى أظن أن على العرب مسئولية كبيرة، وهى لفت الأنظار الآسيوية لفهم أعمق للعلاقات العربية الآسيوية وقضايا العرب وفى مقدمتها التحسب من الهجمات الإرهابية القادم بعضها من أطراف القارة فضلًا عن أهمية الإحساس بحجم القضية الفلسطينية وتأثيرها على القارة الآسيوية قياسًا على مشكلة كشمير والنزاع بين الهند والصين وما يقتضيه ذلك كله من فهم مشترك وتعاون دائم بين العرب وآسيا.
لمزيد من مقالات د. مصطفى الفقى رابط دائم: