فى خضم الموجة الراهنة لفيروس كورونا، التى تعكس على مجتمعنا، وعلى العالم أجمع، حالة من الكآبة، والخوف، والتوجس. كانت آمالنا مع عام جديد (2021) أن نشاهد الوباء يبدأ فى الانحسار، خاصة مع وجود سباق بين الشركات العالمية، والدول الكبرى، على إتاحة الأمصال للجميع، والتى أُعلن عن اكتشافها فعلا، ودخلت الخدمة فى معظم بلاد العالم قبل نهاية العام الماضى (2020)، الذى شهد بدايات المرض، ولم يشهد نهاياته- كما توقعنا.. لكن يبدو أننا أمام شهر قاس (يناير الحالى) نتطلع إلى أن نتجاوزه، وما بعده، حتى الصيف، وأن تواصل مصر نجاحاتها المتميزة فى محاصرة هذه «الجائحة»- التى هزت العالم منذ أُعلن عن انتشارها، وأثرت على قواه الكبرى (أمريكا والصين وأوروبا وروسيا)- وذلك عبر نشر الأمصال واللقاحات فى كل مكان، وللجميع، ببرنامج وطنى جسور، واستمرار الرعاية الصحية المكثفة.. يمنعنا كورونا أن نفكر، وننطلق بحرية، أو نتجرد لنرى أجندة 2021، ومشكلاتنا، وحياتنا المستقبلية (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا).
كانت أمامى 3 قضايا ملحة لا تنتظر الأحداث، وما يأتى منها، أولاها أن أُرسل برسالة إلى المتطرفين فى عالمنا، خاصة الإخوان، لكى يرتدعوا، ويدركوا المخاطر الجمة، التى سببوها لبلدنا، والمنطقة العربية ككل، نتيجة صراع على سلطة، هم لا يستطيعون القيام بها، وغير مؤهلين لها على الإطلاق، لا أمس ولا اليوم أو غدا، وأهلهم، أو مواطنوهم، رفضوهم، بل طالبوهم بالمراجعة وإعادة الحسابات، وأن يخرجوا من دائرة الإرهاب والتطرف، وأن يكونوا مواطنين، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، لكنهم سلموا أنفسهم للشيطان، ولأهل الشر، واستسلموا للعمالة الخارجية، ولأموال وأجندات تأتى من (قطر وتركيا) لتشجيع الإرهابيين، وحمل السلاح ضد وطنهم، وإعلاء سلاح التشهير والدعايات المغرضة، ليستمروا فى إثارة القلاقل، فى حين أن بلدنا يواصل التقدم والتنمية، ومساره لا يتوقف، ويواجة بكل الأسلحة أعداءه، ولن يتوقف حتى يستأصل تلك الآفة اللعينة من أراضيه،. حتى إن السفير الإثيوبى السابق فى القاهرة وصلت به مغالطاته لاستخدام هذه القضية ضد مصر، فى محاولة عبثية للضغط على بلدنا فى مفاوضات سد النهضة، (قضية المياه ونهر النيل)، التى تهم كل مصرى ومصرية، متهما بلادنا بأنها لا تريد التوصل إلى اتفاق، متناسيا، أو متجاهلا، أن إثيوبيا فى حالة حرب أهلية فعليا تؤثر على مصداقية أديس أبابا الآن ومستقبلا، بل تجعلنا فى حالة خوف حتى أن نصل مع الحكومة الراهنة إلى اتفاق لا تكون إثيوبيا قادرة على تنفيذه، اللهم إلا إذا وصلنا إلى اتفاق تشهد عليه القارة الإفريقية والعالم أجمع، حتى تنتهى هذه القضية، التى ستفتح الجحيم وعدم الاستقرار, إذا لم تراع حقوق دولتى المصب (السودان ومصر).
القضيه الثانية هى دول الخليج والمصالحة مع قطر، التى أُعلن أنها ستتجه إليها فى قمتها بالسعودية، وليس منا من هو ضد مصالحة الخليجيين معا، لكننا ضد أن يترك أشقاؤنا السعوديون والإماراتيون والكويتيون والعُمانيون والبحرينيون, قطر تعبث بأمن المنطقة، وتستمر فى تجنيد المتطرفين، فإذا استطاعوا تلجيم العبث القطرى سنكون أكثر السعداء بالمصالحة التاريخية الخليجية المرتقبة، أما إذا تركوا الدوحة تحاول بالأموال والسلاح، وكل خطوط الدعم، تغيير خريطة الحكم فى بلادنا، أو فى منطقتنا، متحججة بأنها تساعد على نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا غير مقبول، لأن قطر تعمل على هز استقرار كل البلاد العربية. إن القطريين والأتراك قوتان، الأولى مالية، والثانية لوجستية ومساعدات عسكرية أفسدت التيارات المتطرفة، واستخدمتهم لكى يتدخلوا فى الشأن الداخلى لمعظم الدول العربية، ويثيروا القلاقل والحروب. أعتقد أن كل البلاد العربية، وقطعا مصر، تستطيع تحجيم تلك الظاهرة الإرهابية، أو الآفة اللعينة، عن طريق تطبيق القوانين الحاسمة، وتجريم الانضمام للتنظيمات الإرهابية، لكن التدخل الخارجى والدعم هو الذى يمنع ذلك، ويزيد من خطورته، وما إن وصلت إلى هذه النقطة حتى وصلت إلى القضية الثالثة، وهى رحيل كاتب عظيم أثر فى وجدان المصريين والعرب جميعا، بإبداعه الفنى الراقى والنظيف، وكتاباته المختلفة، خاصة الدرامية (السينمائية والتليفزيونية)، فـ(وحيد حامد)، يُعد علامة فى تشريح الجماعات المتطرفة، وتأثيرها على الوجدان الإنسانى، والوطنى، وعلى مستوى تطور مجتمعاتنا، ويقف على هرم من الأعمال التى كونت ضمير الإنسان العادى، وكشفت فكر التطرف والإرهاب، وخطورته على مستقبل المجتمعات وتطورها، بل اندماجها فى عالمها.
سوف نتوقف طويلا أمام أعمال وحيد حامد، التى تجاوزت 50 عملا، وكانت كلها من أجلنا، من أجل الإنسان العادى، وكانت تُحصن الإنسان العادى والمثقف، بل كل طوائف المجتمع، وتشكل حائط صد إيجابيا وفعالا، فى مواجهة تلك الآفات الفكرية، والموروثة منذ عهود تخلف واستعمار، واضمحلال، ومخاوف من مواجهة العالم، لتتحصن بأفكار التطرف، والإرهاب، والتشدد، على أنها شجاعة ومواجهة، وهى تعبير عن ضعف وانهزامية، بل الانسحاق أمام الحضارة المعاصرة، حيث تسوق الإنسان العربى لكى يكون رهينة لدواعش، أو جماعات، وينتحر ويُسحق تحت الأقدام، ويُهزم فى عالم لا يحترم إلا الأقوياء القادرين على إدارة مجتمعاتهم، والتقدم بها فى كل المجالات..
رحم الله وحيد حامد، الذى جسد بأعماله، وبلغة الفن العبقرية، حالة مجتمعاتنا، فى ظل محاولات استئساد الجماعات المتطرفة، وعقولهم الخربة، والمنسحقة، فى عالمنا، والتى تهددنا جميعا. إن أسطورة وحيد حامد ليس لكونه يعبر عن الفن المصرى والعربى، فتلك قصة أخرى، يجب أن نرجع إليها، لنعطى الراحل الكريم حقه من التكريم والاحترام بقدر إثرائه ثقافتنا وفكرنا، وإنما لأن وحيد حامد استدعى يوم رحيله، ونحن نودعه بكثير من الحزن وندعو له، كلا من السيد أردوغان فى تركيا، و آبى أحمد وسفيره فى إثيوبيا، وتميم فى قطر، ومن معه، وكل من غرر بهم المتطرفون، لكى يعيدوا قراءة ومشاهدة فنه الرائع والمبتكر، فالرجل كتب لكى يدفعنا جميعا للتغيير، والفهم، والتعلم، ولكى يشاهد هؤلاء فنه، لأنه لم يكتب مسلسلا للتسلية فقط، وإنما للتعلم والإمتاع، وجمع بين إثراء العقل والنفس، لنتابع، فى الوقت نفسه، مسلسل الجماعة، بجزءيه الأول والثانى، اللذين عرض من خلالهما قصة الجماعة الإرهابية منذ إنشائها فى أوائل القرن السابق (الإخوان من البداية حتى النهاية، بعد تطورات 25 يناير 2011، أو ما أُطلق عليه الربيع العربى، أو الإخوانى)، وعودتها إلى الهروب والخوف من شعوبها، نحن لا نثقل على قادة تركيا وقطر وإثيوبيا أن يقرأوا تاريخنا ليعرفوا قيمة مصر وقدرتها ولكن ندعوهم ليعرفونا عبر الفن والإبداع ليدركوا كيف نكافح الإرهاب والمتطرفين..
لمزيد من مقالات أسامة سرايا رابط دائم: