هل يوجد بين المفكرين الكبار، الذين حركوا العقل وأثروا الفكر فى العصر الحديث، من يمكن أن نُعده الأفضل، سواء بصورة عامة، أو فى فترة معينة؟ سؤال لا يبدو غريبًا، برغم أن الفكر الإنسانى بطابعه نسبى يختلف تقديره من شخص إلى آخر. ولكن لكل فكرة، أو نسق فكرى، أو مفكر، من يفضلونه أو يتحمسون له. وبالنسبة إلى هؤلاء، وهم كُثر فى أنحاء العالم، الجواب واضح. يرى كل منهم أن المفكر الذى يفضله أو يؤمن بأفكاره هو الأفضل. ولكن كُثُرًا آخرين يتعاملون مع الفكر الإنسانى بطريقة مختلفة. إنهم يتابعون الأفكار والمفكرين، ويقرأون عادة أو غالبًا بعقل مفتوح، ويجدون فى كل ما يقرأون ما يُعجبهم وما لا يُرضيهم. وهذا جوابى على سؤال تلقيته من السيد عبد الفضيل محمود حسنين. وأضيف إليه أن حديقة الأفكار الإنسانية حافلة بزهور مختلفة ألوانها وروائحها، وفيها أيضًا أشواك. ولكن التجوال بحرية فى هذه الحديقة بدون التعلق بزهرة أو بأخرى لا يعنى بالضرورة عدم تفضيل هذه أو تلك منها، والاستفادة من إحداها أو بعضها أكثر من غيرها، والاعتقاد فى أنها أكثر صحًة فى هذا المجال أو ذاك، ولكن بدون الجزم بأنها الأفضل.ولأن العصر الحديث لم يبدأ فى وقت محدد بدقة، لأن التطور باتجاهه حدث بطريقة تراكمية منذ القرن الخامس عشر، فلنقل إن أفكار هذا العصر أخذت فى التبلور منذ القرن السابع عشر. وفى ذلك القرن، تبرز على الفور أسماء الفرنسى رينيه ديكارت، والهولندى باروخ سبينوزا اللذين يُعدان أهم رواد الفكر العقلانى، ومثلهما فى أوائل هذا القرن وأواخر سابقه فرانسيس بيكون رائد الثورة العلمية. ويزدحم القرن الثامن عشر بالمفكرين التنويريين، وفى مقدمتهم الألمانى إيمانويل كانط، والفرنسيون جان جاك روسو، ودنيس ديدرو، وفولتير، ودى مونتسيكو. ويحتل الألمانى كارل ماركس مكانة مميزة فى القرن التاسع عشر، وهو الذى اعتنق مئات الملايين أفكاره عبر شروح مختلفة لفترة طويلة فى أواخر ذلك القرن، وحتى منتصف القرن العشرين الحافل بمفكرين شغلوا العالم فى مقدمتهم الفرنسيان جان بول سارتر، وميشال فوكو.
لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد رابط دائم: