احتفل العالم هذا العام بالعيد الخمسين ليوم الارض العالمي. ومن أجمل ما قيل فى هذه المناسبة الكلمة التى القاها الاب فرنسيس بابا الفاتيكان ومن ضمنها قوله: هناك مثل اسبانى شهير جدا حول هذا الموضوع يقول: الله يغفر دائمًا، نحن البشر أحيانًا نغفر، وأحيانًا لا نسامح، أما الأرض فهى لا تغفر أبدًا. نعم لا تغفر. فإذا انتهكنا الأرض، سيكون ردها قبيحًا جدًا. ورغم النشاط الكبير للحركات البيئية المحلية والدولية فإن تلويث الطبيعة بكل صورها لا يتوقف. لذا جاءت رسالة البابا بمثابة تحذير بالغ، منبها الى أنه: ليس لدينا مستقبل إذا دمرنا البيئة التى تحافظ على قوتنا.
وتعرض فرنسيس كذلك لمجتمعات السكان الأصليين كمثال لطريقة بديلة للتفاعل مع الكوكب، وقال: هؤلاء يعلموننا أننا لا نستطيع أن نشفى الأرض ما لم نحبها أونحترمها، لان لديهم الحكمة فى العيش بشكل جيد، ليس بمعنى قضاء وقت ممتع، لا، ولكن بمعنى العيش فى انسجام مع الأرض. تستند ملاحظات فرنسيس فى يوم الأرض إلى جهوده الكبيرة لاستخدام مكانته الادبية للترويج لعقيدة تكرم الأرض. وتجىء كلمته هذه بعد خمس سنوات من نشره رسالة تاريخية كبرى عن تغير المناخ، عنوانها: حول العناية بمنزلنا المشترك، ووقتها أعطت الكنيسة الكاثوليكية مباركتها الرسمية بالموافقة على اهتمامات البابا البيئية.
ومن أهم ما فعله منذ ذلك الحين حثه للمديرين التنفيذيين لصناعة النفط على قيادة الانتقال الى الطاقة النظيفة، ودافع عن السكان الأصليين المهددين بتدمير غابات الأمازون المطيرة، كما اقترح أنه سيضيف تعريفًا للخطايا البيئية إلى تعاليم الروم الكاثوليك.
وفى رسالته الاخيرة فى يوم الأرض، أعاد البابا النظر فى الموضوعات الرئيسية لقضايا الطبيعة قائلا: اليوم نحتفل بيوم الأرض الخمسين. هذه مناسبة لتجديد التزامنا بالحب والرعاية لبيتنا المشترك وبالأفراد الأضعف فى عائلتنا البشرية. وكما علمتنا جائحة فيروس كورونا المأساوية، لا يمكننا التغلب على التحديات العالمية إلا من خلال إظهار التضامن مع بعضنا البعض واحتضان الأكثر ضعفا من بيننا. و شجع فرنسيس على الانضمام إلى الحركات البيئية، وأضاف : لابد أن ندعو الناس من جميع مستويات المجتمع معا لخلق حركة شعبية من أسفل. يوم الأرض الذى نحتفل به اليوم ولد بهذه الطريقة على وجه التحديد. يمكننا أن يسهم كل منا فيه بطريقته الخاصة.
واختتم كلمته بدعوته قادة العالم و حثهم على المشاركة بقوة بمؤتمرين دوليين رئيسيين مقبلين بشأن التنوع البيولوجى فى البرازيل و بشأن تغير المناخ فى جلاسكو بالمملكة المتحدة، واللذين تأجلا بسبب فيروس كورونا حتى العام المقبل.
والحق ان كل شىء ثمين يهان كرامته فى الكون الآن. واهم من يهان بعد الانسان الارض والماء والهواء. كلها تتعرض الى اخطار دائمة. لذا لابد ان نرفع اصواتنا ونعبر عن ذلك ونقول لابد من تغيير ذلك. نحن نعيش فى حقبة عالمية الاقتصاد بها ظالم. وهذا الظلم يدمر أمنا الارض.
الأم هى الارض واطفالها يعانون مما يحدث لها. وعندما نتساءل من هو افقر الفقراء اليوم؟ سنرى انها أمنا الارض .لاننا نهبناها وانتهكناها. لذا تصبح مهمة الحفاظ على كوكبنا هى اكبرمهمة لنا الآن. لقد وهبنا الخالق عقولا لنفكر ونحلل. فبتأمل قصة الخلق، نرى أن الله عهد لآدم بإعمار الأرض. ودور الانسان فى رحلة الكون ان يحول الجهل الى علم، ونقص المعرفة الى ثقافة. لكن بعض الناس عندما يزداد علمهم يستخدمونه فى تدمير الكون.
ومن الحزين جدا أن نجد أن الاكثر فقرا فى العالم هم الاكثر تعرضا لمشكلات البيئة، لانهم ببساطة يتعرضون للتهميش ويعيشون على فضلات الآخرين، فيتأذون بشكل مباشر من تخريب الطبيعة. لا يستطيع ان يقول احد نحن غير مسئولين. كلنا مسئولون. قانون الطبيعة يقول ان العالم لابد ان يعيش فى تناغم. لذا الاشياء التى تعمل ضد تناغم الخليقة تعتبر شرا محضا. فإنشاء منجم يفيد الاقتصاد لكنه يجعل الناس تمرض، مما يسبب من تلوث للماء لانه اخرج زرنيخ وسيانيد وغيرهما. فعندما نحافظ على صحة البشر، نحافظ على البشرية كلها. لذا لابد ان نراجع مفاهيمنا عن المصلحة العامة. فالمصلحة العامة لابد ان تكون فى تناغمنا مع الطبيعة.
اغلبنا ينظر الى الكون باعتباره يخدمنا. نحن نعامله كسادة رغم ان دورنا الحقيقى أننا مكلفون برعايته. فكل ما ارسله الله لنا هى هدايا غالية، لذا يجب علينا معرفة قدرها والحفاظ عليها .الماء والريح والقمر والنجوم والشمس كلها جزء من عائلتنا وحياتنا كبشر. لابد ان نستمع الى صوت الطبيعة لا الى صوت من يدمرها..فعولمة اللا مبالاة ستقودنا ببطء الى الاعتياد على تدمير الارض ووقتها لن يكون امامنا سوى الانقراض.
لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف درة رابط دائم: