رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دلالات الاعتراف الأمريكى بمغربية الصحراء

بعد انسحاب إسبانيا من المناطق الجنوبية للمملكة المغربية، سنة 1975، ثم توقيع اتفاق الهدنة بين المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1991 بعد حرب دامت 16 سنة، يعتبر اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بسيادة المغرب على كامل أراضيه وبالتالى إقرارها بمغربية الصحراء، أهم ثالث حدث يشهده هذا الملف الذى ظل يتأرجح لأزيد من ثلاثة عقود بين أروقة الأمم المتحدة دون ان يجد له حلا نهائيا. وعلى الرغم من ان المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، كثيرا ما آمن بعدالة قضيته الوطنية، وأن هناك إجماعا بأنه فى صحرائه والصحراء فى مغربها، إلا ان اعتراف أمريكا بهذا الواقع وتأكيدها أهمية الحكم الذاتى كأرضية لحل نزاع الصحراء مستقبلا، يعتبر منعطفا حقيقيا فى النزاع، بحكم قوة الولايات المتحدة فى القضايا الدولية، وأيضا بحكم تأثيرها فى قرارات مجلس الامن.

منذ بداية النزاع، سلك المغرب المسار الأممى من أجل تسوية هذا الملف، وعلى قدر الأهمية التى اولتها الرباط لتحالفاتها الدولية من أجل الدفاع عن مصالحها داخل أروقة الأمم المتحدة، على قدر اهتمامها بالحصول على اعترافات دولية بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء. وقد استطاع المغرب عبر هذا المسار والتحالفات التى انشأها،تحقيق أهم إنجاز ألا وهو إلغاء خيار استفتاء تقرير المصير فى الصحراء. وخلال العشرين سنة الماضية، استطاع إقناع 41 دولة بسحب اعترافها بجبهة البوليساريو الانفصالية. ومع الاعتراف الأمريكى الأخير، سوف تبدى دول غربية أخرى نوعا من الليونة تجاه حل الحكم الذاتى الذى يقدمه المغرب كأخر حل منطقى لهذه القضية. ضمن تلك الدول، تأتى بريطانيا فى المقام الأول، خاصة أن رئيس الحكومة بوريس جونسون يميل الى مواقف ترامب فى العلاقات الدولية. وفيما يتعلق بفرنسا، فكما هو معروف، باريس تنحاز بطريقة غير مباشرة لمغربية الصحراء، وهى من المدافعين عن مصالح المغرب سواء فى الأمم المتحدة او داخل الاتحاد الأوروبى. لكن يبقى امر اعترافها المباشر بسيادة المغرب على صحرائه أمرا غير واضح المعالم، خاصة وان فرنسا تريد الحفاظ أيضا على علاقاتها التاريخية ومصالحها الاقتصادية مع دول الجوار.

إن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالاعتراف بمغربية الصحراء، بقدر ما يجسد انتصارا معنويا للمغرب، بقدر أيضا ما يعبر عن مصالح أمريكا وحليفتها إسرائيل فى المنطقة. من ناحية، جاء هذا القرار مقترنا بعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل. والحديث هنا ليس عن التطبيع ولكن عن العودة الى مرحلة ما بين 1994-2000 حين كان مكتب الاتصال الإسرائيلى فى الرباط مفتوحا، قبل ان يتم إغلاقه فى 2000 عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. والمعروف أن العلاقات بين البلدين قائمة عبر التاريخ بدءا بالجالية اليهودية التى عاشت فى المغرب منذ عدة قرون، ثم هجرة اليهود المغاربة، الذين يقدر عددهم بمليون شخص، لإسرائيل.وهؤلاء يشكلون قوة كبيرة داخل مفاصل السلطة. واذا كانت الجنسية المغربية لا تسقط، فإنهم يبقون مغاربة، تربطهم علاقة روحية وطيدة بالمغرب. والحديث اليوم عن عودة العلاقات مع إسرائيل يصب فى ذات الاتجاه.

ولتفادى أى لبس بهذا الخصوص، فقد اكد العاهل المغربى فى اتصاله بالرئيسين الأمريكى ورئيس السلطة الفلسطينية، موقف المغرب الثابت من القضية الفلسطينية. واكد ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، واحترام حرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية الطابع الإسلامى لمدينة القدس وحرمة المسجد الأقصى. وأن المغرب يدعم حلا قائما على دولتين تعيشان جنبا الى جنب فى سلام، وان المفاوضات بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى هى السبيل الوحيد للوصول الى حل نهائى. هذا يعنى ان المغرب يعى جيدا أن استئناف الاتصال بإسرائيل، يجب ألا يكون على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى. وأن الرباط تسعى للحفاظ على علاقاتها المتينة مع السلطة الفلسطينية، وجميع أطياف الشعب الفلسطينى. من ناحية أخرى،اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء يعكس أيضا حاجتها الى موقع استراتيجى جديد داخل القارة الإفريقية، خاصة وان روسيا والصين سبقتاها الى المنطقة. فاغلب الدول الافريقية باتت تفتح لهما مجالها واستثماراتها وقواعدها العسكرية. والحديث عن رغبة أمريكا فى فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة يعكس أهمية المنطقة على المستوى الاقتصادى، خاصة انها تتوافر فيها ثروات بحرية وطبيعية هائلة لم تكتشف بعد. وامريكا تسعى لأن تكون سباقة فى استغلالها لتلك الموارد وأيضا لقطع الطريق أمام روسيا والصين فى المنطقة.

عندما يتعلق الامر بالمصالح العليا لأمريكا، يبدو ان اعترافها بمغربية الصحراء ليس صدفة ولا قرارا هوائيا لترامب وسوف يتغير بوصول الرئيس المنتخب جو بادين الى الحكم. بل هو قرار مصيرى ومدروس ونابع من الأمن القومى الامريكى الذى بات ينظر إلى إفريقيا والمغرب الكبير نظرة مختلفة، تريد أمريكا من خلالها بناء تحالفات جديدة والدفاع عن مصالحها فى المنطقة، فى وقت اصبح تزايد النفوذ الصينى والروسى يحرج صورتها بشكل أكبر.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: