لم تكن الأهرامات مجرد مجموعة من الحجارة الضخمة متراصة فوق بعضها البعض، ولا هى مجرد مقابر لفراعنة عظماء، ولكنها كانت خزانة حضارية وضعت فيها كل إنجازات العلم والحضارة المصرية التى توصل إليها آلاف العلماء والمبدعين المصريين. ووصلت إلى حالة النضج إلى درجة أن علوم العصر الحديث بعلمائه وأدواته وإنجازاته بعد خمسة آلاف عام من بناء الأهرام لم يستطع أحد أن يدرك فقط أسرار هذا البناء فما بالك فى صنع هرم مثله.
وبعد موت سنفرو ملك ابنه خوفو عام 2574ق.م. وقد ورث عن أبيه إمبراطورية حضارية عظيمة. وبعد بناء أبيه هرم سنفرو بخمسة وسبعين عاماً أحضر صديقه وقريبه العبقرى حم- أويونو ليصمم وينفذ أكبر إنجاز حضارى فى العالم حتى الآن وهو هرم خوفو. وقد اجتمع معه كل علماء مصر وكهنتها ليشيدوا صرحا كونيا هو الأوحد فى تاريخ ومستقبل البشرية بارتفاع 146مترا، واستخدم فيه مليونين وثلاثمائة حجر وأغلب الأحجار تزن ثلاثة أطنان. وبنى على مساحة ثلاثة عشر فداناً. ويقال إذا فككت أحجار الأهرام يمكن أن تصنع طريقاً من الأرض إلى القمر. وآخرون يقولون إن أحجار الأهرامات الثلاثة إذا فككت تكفى لبناء حائط مساحته 2متريمتد بطول مائة ألف كيلومتر طولى حول الكرة الأرضية بمحاذاة خط الاستواء.ويقول العالم الأثرى فليندرز بيترى الإنجليزي: إنتاج مثل هذا الهرم يحتاج إلى ثلاثين ألف عام من الحضارة.
والهرم بنى فى مركز الأرض تماماً، فالمدار الذى يمر بالهرم يقسم قارات العالم إلى قسمين متساويين. كما أنه تشير زواياه إلى زوايا الأرض الأربع فى الاتجاهات الأصلية. واكتشف علماء الطبيعة أن هناك حركة دوامية لطاقة كونية تنبعث عن رأس الهرم ويوجد مجال كهرومغناطيسى داخل الهرم، ففى داخله لا يفسد الطعام ولا تتحلل الجثث وتظل السكاكين والشفرات مشحوذة. ويقول العالم الفيزيائى بيو الفرنسي: إن الهرم الأكبر ساعة ضخمة من خلال الظلال التى بعكسها يمكن معرفة الوقت وتاريخ اليوم على مدار العام. ويقول الفلكى البريطانى بروكتور: إن الهرم هو مرصد هائل للكون.
ولا يوجد ملاط لتثبيت الأحجار فوق بعض ولكنهم استخدموا طريقة إعجازية للتثبيت، فقد كانوا يثقبون الحجر ويملؤونه بالنفط ثم يشعلونه ويضعون فوقه الحجر الآخر فيتم التثبيت بطريقة خلخلة الهواء. وكانت الأهرامات مطلية باللون الأبيض، وقمة الهرم من الذهب الخالص، وداخل الهرم ممرات تؤدى إلى حجرات عديدة، أهمها حجرة دفن الملك خوفو. كما يحتوى على حجرات أخرى للدفن، وأطلق الكهنة على هرم خوفو أخت-خوفو أى مشرق خوفو.
ولم تكن الأهرامات مجموعة معمارية فقط ولكنها كانت جزءا من مدينة جنائزية كبيرة يحيط بها سور وفيها معابد ومراكب للشمس. فقد بنى خوفو معبدا جنائزيا على الجانب الشرقى للهرم. وحكم خوفو ثلاثة وعشرين عاماً استغرق منها عشرين عاماً فى بناء الهرم الأكبر. ووجدت نقوش باسمه فى محاجر شمال غرب توشكا بالجنوب، كما وجدت أيضاً آثار معبد عليه اسمه فى منطقة جبل بلبنان شمال بيروت الآن.
وبعد موت خوفو ملك ابنه جدف-رع من زوجة غير شرعية، وبدأت الصراعات بين الأشقاء. وبدأ فى بناء هرم فى أبو رواش ولكنه لم يكتمل، ومات بصورة غامضة وملك بعده أخوه غير الشقيق خفرع. وبنى الهرم الثانى فى ستة وعشرين عاماً. وبعده جاء ابنه منكاورع وقد لقب بالصقر الذهبى وبنى هرمه الثالث والأصغر وحكم ثمانية وعشرين عاماً.
وحكمت الأسرة الرابعة مائة وخمسين عاماً، انتهت مع صراعات كبيرة بعد حكم منكاورع، إلا إنه حين كان خفرع يبنى هرمه الثانى كانت هناك كتلة حجرية كبيرة غير صالحة لبناء الهرم فأمر الملك أن ينحت عليها تمثال له رأس إنسان وجسد أسد يمثل القوة واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات.
وسمى بر-حول ومعنى الاسم بيت حورس أو ملاذ حورس. وحين جاء الفرنسيون نطقوها بو هول ومنها أخذت الكلمة العربى أبو الهول وخاصة أنها تعنى الشيء العظيم. إلا أن الإغريق أطلقوا عليه سفنكس من الكلمة الإغريقية Shingo وهى تعنى الراسخ أو الجاثم بشدة.
وفى عصر الدولة الحديثة فى عهد امنحتب الثانى توجه ابنه تحتمس الرابع بزيارة إلى الأهرامات وأبو الهول وقد كان الظاهر منه فقط هو رأسه. ونام تحتمس الرابع فجاء إليه أبو الهول فى حلم وطلب منه أن يزيل الرمال عن جسده ووعده بأنه سيكون الملك القادم إذا فعل هذا. فكتب هذه القصة على لوحة سميت لوحة الحلم وتم العثور عليها بين قدمى أبوالهول عام 1817م.
وأبو الهول أنفه مكسور، وتتوالى القصص الغريبة عن كسر أنفه فيقول المقريزي:إن رجلاً يدعى صائم الدهر حين وجد تمثال أبو الهول اعتقد أنه من الأوثان فقام بمحاولة تحطيمه فكسر أنفه. وآخرون يذكرون أن جيوش نابليون حاولت أن تدكه بالمدافع فكسرت أنفه. والحقيقة كل هذه القصص غير واقعية، لأن نابليون جاء ومعه علماء لاكتشاف آثار مصر فكيف يكسر أنف أبو الهول.
ولكن هناك قصة أخرى قد تكون هى الحقيقة، إذ نرى الأنوف المكسورة فى كثير من تماثيل الملوك القدماء أيضاً، وهذا لأن بعض القدماء اعتقدوا أن التماثيل تمتلك طاقة الحياة وحراسة المعابد، لذلك لجأ المتورطون فى هدم المعابد واللصوص إلى جدع الأنف، لأنهم أعتقدوا أنه بهذا يحرمون التمثال من قوة الحياة بعدم التنفس واستنشاق الحياة حتى لا يمتلك قوة فيستطيعون سرقة المعابد أو هدمها دون أن يصيبهم ضرر. وهناك سراديب غريبة موجودة فى منتصف تمثال أبو الهول، وأخرى فى الجهة الخلفية للساق اليسري، وتوجد ممرات أيضاً تحته، وساد الاعتقاد بأنه يحمل فى هذه السراديب أسرارا كثيرة.
وتغرب شمس الأسرة الرابعة، ولكن تظل شمس مصر مشرقة فى كل يوم، وفى كل عصر تبهر العالم وتخبره بأن مصر بحق هى أم الدنيا.
لمزيد من مقالات القمص ـ أنجيلوس جرجس رابط دائم: