«أهو كلام، كلام ولد عم حديت، هو الكلام بيلزق...» أمثلة من الموروث الشعبى تميل نحو الاستهانة بأهمية الكلمة ومفعولها وتأثيرها الكبير فى كل نواحى حياتنا. البعض يتعامل مع الكلمات بوصفها «طق حنك» أو مجموعة من الأحرف تتنوع تركيباتها على الورق أو مجرد تدريب للأحبال الصوتية دون إدراك لمدى القوة التى تتمتع بها الكلمة وقدرتها الفائقة على البناء أو التدمير. هؤلاء هم من سألهم الأديب والمفكرعبد الرحمن الشرقاوى مستهجنا، فى مسرحيته الحسين ثائرا، أتعرف ما معنى الكلمة.؟ مفتاح الجنة فى كلمة.. دخول النار فى كلمة.. وقضاء الله هو كلمة.. الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور. نعم، كلمة واحدة قد تضيء حياتك وتملؤك ثقة بالنفس وتشجعك على مواجهة الحياة، وكلمة أخرى قد تكسرك وربما تقتل روحك. فكم من كلمات، سمعناها أو قلناها لأنفسنا أو وجهناها لآخرين، غيرت مجرى حياتنا أو منظورنا لأنفسنا، فالكلمة قابلة للالتصاق على عكس القول الشائع. ففى الطفولة تترسخ فى عقلنا الباطن أفكار الآخرين عنا وتعلق بأذهاننا كلمات المقربين منا. فالطفل الذى يحاط بكلمات داعمة مثل: مهذب وشاطر، جميلة ذكية، حاول أنت لها، لديك وجهة نظر ينمو ولديه انطباع ايجابى عن نفسه وإيمان قوى بقدراته. فى حين أن الكلمات الهادمة مثل غبى وما بتفهمش، بدينة، كاذب، لا تصلح لشيء، ما هذا الهراء، تؤثر سلبا على تطور الطفل فيتحول إلى شخص يفتقر للثقة فى نفسه، مهزوز متوتر وغير قادر على اتخاذ القرارات. وكم من كلمات قرأناها فى كتب شكلت وعينا وتوجهاتنا وغيرت مفاهيمنا عن الحياة والعالم المحيط بنا. وكم من كلمات فى شعارات أو وعود انتخابية صدقناها وآمنا بها وملأتنا بالأحلام ثم أفقنا على زيف بريقها. وفى عصر التطورات المتلاحقة والقفزات الرقمية، اكتسبت الكلمات قوة أكبر وأصبحت أكثر خطورة وذلك من خلال: محركات بحث مهمتها تصنيف وترتيب الكلمات لضخ كم هائل من المعلومات تفتقر للدقة فى بعض الأحيان، و برامج تليفزيونية تقوم على الكلام «توك شو» وترجمته الحرفية «عرض الحديث» كثير منها ما هو إلا منابر للترويج لأفكار بعينها والتلاعب بمشاعر المواطنين، ومنصات للتواصل الاجتماعى تتحول فى كثير من الأحيان إلى منافذ لبث الشائعات والأفكار المغلوطة ونشر السطحية والتفاهة وساحات لممارسة التنمر والعنصرية والتفنن فى كتابة التعليقات البذيئة مما قد يخلف آثارا نفسية مدمرة خاصة بين المراهقين. فحاسبوا على كلامكم كما تناشدكم المبادرة الجديدة التى أطلقتها اليونيسيف بالتعاون مع المجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للأمومة والطفولة للتصدى لظاهرة التنمر عبر الإنترنت فى مصر. وفكروا بالكلمة قبل التفوه بها فهى السلاح الأكثر فتكا وإثارة للرعب، فالخناجر والرماح تترك آثارا من الدم والسهام يمكن رؤيتها عن بعد، والسموم يمكن كشفها ومقاومتها بالترياق، أما الكلمة فتستطيع التدمير دون أن تترك أدلة..على حد وصف الروائى البرازيلى باولو كويلو. ولكن هناك حدا آخر لذلك السلاح الفتاك هو القدرة السحرية على تغيير العالم للأفضل ونشر التسامح والسلام، ولذلك تم تخصيص الثالث والعشرين من نوفمبر من كل عام للاحتفال باليوم العالمى للكلمات، والذى يوافق إنشاء متحف الكلمة فى توليدو بإسبانيا بهدف نشر التآخى بين الثقافات واللغات المختلفة.فلا تضن بالكلمات الطيبة وتتركها حبيسة متحف،ولا تطلقها كحشو بندقية سريعة الطلقات، فقط تمهل وكن عند حسن ظن جبران خليل جبران الذى كان يبهره الشخص الذى يخاف من أثر كلماته فى قلب غيره.
لمزيد من مقالات هناء دكرورى رابط دائم: