> يكشف الفنان التشكيلى محمد المصرى فى معرضه المقام فى «جاليرى أوبانتو» بالزمالك تحت عنوان «كوكاتوغرافيا» خرائط نادرة لما يسمى بـ «خزان جبل الأولياء «.
والخزان الذى يشكل موضوع المعرض المستمر حتى غد، عبارة عن سد حجرى أقيم على النيل الأبيض بالسودان عام 1937، ويقع على بعد 44 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم. ومنذ تشييده فى الثلاثينيات، ظل «خزان جبل الأولياء» تحت الإشراف الفنى والإدارى للحكومة المصرية التى قامت ببنائه فى السودان وفق اتفاقية، حتى تحفظ حقها فى مياه النيل دون أى تدخل من حكومة الحكم الثنائى أو الحكومات الوطنية بعد استقلال السودان.
وظل الخزان يمثل خط إمداد ثانيا للمياه فى مصر إلى أن زالت أهميته بالنسبة إلى مصر، بعد تشييد مشروع السد العالى، وتم تسليم المسئولية عن الخزان إلى حكومة السودان فى عام 1977. ويعزز المعرض بالخرائط التى يكشف عنها ملف التفاوض حول حقوق مصر فى مياه النيل.
وقد تضمن المعرض كثيرا من الإضاءات على تاريخ هذه البقعة من السودان وعلاقتها بمصر. فخلال زيارة المعرض من السيد روب نيووينهيز، كبير مستشارى المياه وإدارة الموارد الطبيعية بشركة «Mott MacDonald» تعرف على توقيع ذيل واحدة من الخرائط التى يتضمنها المعرض. ورجح نيووينهيز أنه يخص مؤسس الشركة التى يعمل بها، وهو ماردوخ ماكدونالد.
وكان ماكدونالد (6 مايو 1866 - 24 أبريل 1957) مهندسًا مدنيًا بارزًا وسياسيًا بريطانيًا. وعمل فى مصر خلال الفترة من 1898 إلى 1921. أسس شركة المهندسين الاستشاريين التى عملت فى النهاية تحت اسم Sir M MacDonald & Partners منذ عام 1927
فى عام 1898 ، دعاه المهندس المدنى البريطانى ذو الشهرة الواسعة بينجامين باكر، للتوجه إلى مصر والعمل مساعدا للمهندس ذى الأصول الأيرلندية موريس فيتزموريس، وهو كان المهندس المقيم المسئول عن بناء أول سد فى أسوان .
واستمر ماكدونالد فى مصر 23 عاما، ليشغل منصب المدير العام للرى للحكومة المصرية، وأصبح فيما بعد وكيل وزارة الدولة للأشغال العامة، وأخيراً مستشاراً لوزير الأشغال العامة فى مصر. وعمل على تحديد الموقع والتصميم الأولى لسد جبل أولياء، كما قام بتصميم وبناء الأعمال الرئيسية لقناة المنوفية، وقناطر إسنا فى أسوان، وأجرى تحسينات واسعة النطاق لميناء الإسكندرية.
فى العقد الأول من القرن العشرين، أثار انتشار العديد من هذه المشروعات الكثير من الجدل، فتم تشكيل لجنة خبراء واحدة تلو الأخرى لفحص المشروعات والتحقيق فى الانتقادات الموجهة لها. وقد أعد وقتها ماكدونالد تقريراً مفصلاً بعنوان «مراقبة النيل»، الذى يعد دليلا قيما مبكرا للإدارة الفعالة للموارد المائية لنهر النيل.
وينتمى معرض «كوكاتوغرافيا»، إلى حركة «الفن المعاصر»، وهذا النوع من المسار الفنى يقوم على استثمار مكتسبات عالم ما بعد الحداثة وتجليات الرأسمالية، وليس من الضرورى أن يكون هذا الاستثمار سلبيا أو إيجابيا. ويرى البعض أن هذا النوع من الفن يعبر عما يسمى « التاريخ الفورى»، حيث تكون مهمة الفنان إنكار الماضى والبحث عن شكل من أشكال التعبير ينفصل عن كل ما تم اقتراحه واستخدامه حتى الآن. فيقوم على وضع أشكال جديدة للتعبير، ليكتسب العمل الفنى حضورا مستقلا عن علاقات الماضى أو يعمل على إعادة بنائها وصهرها فى كيان جديد.
و «كوكاتوغرافيا» وهو مصطلح من ابتكار الفنان محمد المصرى، ويدمج ما بين لفظة « كوكالا» فى إشارة إلى الشركات متعددة الجنسيات، وعلم «رسم الخرائط». والغرض العام من التجربة إعادة قراءة وإعادة إنتاج للخرائط، عبر «بند الترميز» على المتن الأصلى للخرائط من أزمنة مختلفة.
يزور الفنان أسواق الورق والكتب القديمة وتفتش عن الخرائط الأصلية ويجمعها من فترات زمنية مختلفة، ويعيد إنتاجها عبر رموز ونصوص مرتبطة بالوضع السياسى أو الجغرافى المعاصر على هذه الخرائط. وذلك باستخدام رموز تحمل دلالات متعارفا عليها أو غير متعارف عليها بقصد إثارة التساؤل والفضول حول التاريخ الحقيقى والتاريخ المتعارف عليه لقضايا سياسية وجغرافية مختلفة.
وبخلاف عمليات الترميز المعتادة للخرائط، والتلاعب بها لأغراض فنية، يلجأ الفنان محمد المصرى إلى «التطريز» بالخيوط الملونة عبر عملية متعددة المراحل على النص الأصلى للخريطة، لتتحول إعادة الترميز إلى عملية مادية دائمة لا يمكن التراجع عنها، ما يدل عبر الخريطة فى شكلها الجديد، على الواقع الذى يعيشه العالم بعد إعادة تشكيله.
وتم إنتاج الأعمال المشاركة فى هذا المعرض، بالاستعانة بالعاملين فى ورش صناعية شعبية بمصر، وبالاعتماد على الآلات والوسائل التى يتم توظيفها فى إعادة نسخ وتقليد بعض العلامات التجارية.
وبفضل المعرض، يطالع المهتم رسما تفصيليا لـ «سد جبل الأولياء» مطبوعا على ورق «مصلحة عموم المساحة المصرية» 1920 مع الكود 11/916/20. موقعا بخط اليد ماردوخ ماكدونالد، وبتاريخ 14 فبراير 1920، قبل بناء السد بـ 13 عاما.بالإضافة إلى خرائط أخرى غير موقعة مطبوعة على أوراق مصلحة عموم المساحة المصرية لعام 1920 أيضا. وترتبط بالأعمال التى كانت تجرى بمشروع « جبل الأولياء».
وحسب المصرى ، فإن اكتشاف أن المهندس المشارك فى التخطيط لـ «سد جبل الأولياء» هو نفسه صاحب شركة باتت اليوم مسئولة عن 16 ألف موظف وعامل حول العالم، يتوافق مع سعى المعرض لاستعراض آثار الشركات الضخمة ومتعددة الجنسيات على الأفراد والجغرافيا فى القرن الأخير.
رابط دائم: