رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الانتخابات الأمريكية

شدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية انتباه العالم ليس لأنها امريكية وإنما لأنها كانت الانتخابات الأكثر إثارة فى التاريخ الحديث. كانت بين مرشح خريج الإدارة والكونجرس وآخر خريج المقاولات والسوق. على كل حال كانت انتخابات كبيرة ومهمة وملكت 150 مليون أمريكى وأمريكية أدلوا بأصواتهم منهم 68 مليونا لم يتجهوا إلى مراكز الاقتراع وانما ارسلوا اصواتهم بالبريد بكل تعقيداته. لكنهم فعلوها هروبا من كورونا ثم استجابة لنداءات حزب الديمقراطيين. وجاءت النتيجة مذهلة 75.5% للديمقراطيين و 70.1 % للجمهوريين. ثم جاء رقم آخر مهم ولافت للانتباه وهو الخاص بتصويت اليهود الامريكيين والذى جاء بـ 77% منهم صوتوا لبايدن الديمقراطى رغم كل ما قدمه الرئيس ترامب للإسرائيليين.

وبعد كل ما قيل وسيقال عن هذه الانتخابات فقد خرجت منها بملاحظتين: الأولى تلك الخاصة بولايات الجنوب وبدايات تغيرات جديدة بها،وآخذ مثالين على ذلك، اريزونا ثم جورجيا التى مرت بإعادة الفرز. والثانية تلك الخاصة بوحدة الامريكيين التى ينادى بها الرئيس المنتخب جو بايدن .

فى البداية اريزونا وجورجيا وهما ولايتا الجنوب اللتان استمرتا لعقود ولايات تذهب تلقائيا بأصواتهما للجمهوريين. فى فترة الحرب الأهلية 1860ــ1864 كانت الولايتان فى بؤرة الصراع الحربى بين ولايات الشمال المتقدم لتأسيس وتقوية الرأسمالية ومحاولة فتح السوق الجنوبية امامها بينما كانت ولايات الجنوب ومنها اريزونا وجورجيا غارقة فى النظام الاقطاعى والعبودى المعتمد على زراعة القطن. واستمرت ولايات الجنوب ومنها جورجيا واريزونا معاقل للمحافظين يحصدون اصواتهما دون عناء ودون الاعتراف بالتغيير البطيء الحادث فيهما. فدائما كان الوسط والجنوب الامريكيان مسرح المحافظة الجمهورية إلى ان جاء عام 1973 عندما تم انتخاب اول عمدة من اصول افريقية لأطلنطا عاصمة جورجيا. كما كانت مركزا للمطالبة بالحقوق المدنية للأمريكيين الافارقة. ومن هنا بدأ الإحساس بالتغيير الذى سانده عنصران، الهجرة غير البيضاء الاوروبية البروتستاندية الى جورجيا. لقد تخلخل التركيب الديمغرافى بحيث بات 51.4% من ذوى الاصول الافريقية السوداء ثم 41.2 % من البيض ذوى الاصول الاوروبية و3.7% من الاسيويين ثم 4.7% من الامريكيين اللاتينيين. هذه النسب الصغيرة الجديدة هى من العناصر النشيطة التى تدافع عن حقوق المهاجرين. تم جاء الاستثمار الذى لعب الدور الكبير فى التغيير. كانت جورجيا ولاية العبيد والقطن وفاكهة الخوخ وكانت اطلنطا العاصمة تسمى بـ المحطة لأنها امتلكت مركزا للمواصلات. خلال العقود القريبة الماضية تم تأسيس 500 شركة امريكية فيها كبيرة فتحت الآفاق امام عمل الشباب الذين باتوا من خريجى الجامعات ومن فروع العلم التى تحتاجها سوق العمل الجديدة وباتت الآن تمتلك اكبر شبكة مواصلات تربط بين كل الجهات الامريكية. لقد تخلت شيئا فشيئا عن الفكر الإقطاعى المتخلف وبدأت تحتضن الفكر الليبرالى الجديد بالمعايير الامريكية. لذا اختلفت نتائج التصويت وبات الديمقراطيون الأكثر تقدما يحتلون اصوات الولاية. اما اريزونا التى كانت ولاية حارة تعتمد على زراعة القطن فقد دخلها الاستثمار وتم اكتشاف النحاس فيها حتى بات اسمها ولاية النحاس. وفى وقت قليل تحولت وديانها الى الملاذ الآمن للهروب من برودة ولايات الشمال. فباتت السياحة تلعب دورا كبيرا فى إنعاش السوق ثم الفكر معا وبالتالى أثرت على التصويت فى الانتخابات.

ومع ذلك لا نستطيع القول ان الشعب الامريكى موحد وراء الهوية أو الكيان الامريكي. لابد من الاعتراف بان الاربع سنوات التى جلس فيها ترامب فى البيت الابيض كانت فترة عصيبة على الشعب الامريكى لأنها مزقته واشعرته باللا امان. فى السنوات الأخيرة من حكم ترامب زادت عمليات شراء السلاح العائلى فى البيوت بحيث ارتفع عددها الى عشرين مليون عملية سنويا. فالاحفاظ بالسلاح فى المنازل يعنى ان الافراد لا يشعرون بالأمان او التوحد مع الدولة أوالاعتماد عليها. فالذى يزور الولايات المتحدة الامريكية سيجد امامه التنوع بكل اشكاله وعناصره. فى البداية سيتعرف على التنوع الجغرافى الذى صاغته ولايات البلاد الخمسون. فيها كل شيء، وديان وانهار وغابات وسهول ومزارع واسعة. سيجد الزائر ما يرضى عينيه ورغباته التى تمناها فى بلاده الاصلية. ولأنها قارة ممتدة من المحيط الى المحيط. كما يجد الانسان الزائر تميزا إنسانيا نادر الوجود فى بلد واحد فى المعمورة. فهى بلد المهاجرين من كل القارات. لقد بنى المهاجرون الاوائل من شمال غرب اوروبا اسس وجودها الحى الحالي. ثم تبعهم الأفارقة فى هجرة جبرية والاسيويون واللاتينون والاستراليون. وهكذا تسمع كل لغات ولهجات العالم فى عربة مترو واحدة او فى شارع واحد او فى محل بيع واحد. ولكنهم جميعا يتحدثون الانجليزية مضافا اليها اللكنة الاصلية. فهو بلد ذو نكهة خاصة، الى ان تكتشف اطراف مدنها. تلك الاطراف التى تئوى الفقراء من كل فئة مهاجرة لم يصبها الكثير من الحلم الامريكي. فالحلم الامريكى متسع اتساع القارة كلها ولكنه لا يستوعب كل من عليها. انه يستوعب طبقات منها ويترك طبقات تنتظر الحلم الامريكي. تجد هؤلاء المنتظرين فى اطراف المدن الكبيرة منهم الزنجى والاسيوى واللاتينى ولهؤلاء مدارسهم ونظم علاجهم إذا وجد ومساكنهم وحياتهم التى لا يمكن ان تراها فى المدن الكبيرة. هؤلاء عاشوا فى الولايات المتحدة ولكنهم لا يعرفونها. لأنهم لا يتحركون ولا يستطيعون التحرك المكلف. وهؤلاء يمثلون الغالبية الفقيرة التى هى خارج الحسابات. فإذا كان المصوتون فى الانتخابات الاخيرة 150 مليونا وهو شيء محترم للغاية فإن تعداد الولايات المتحدة يرتفع عن الـ 250 مليونا إذ يوجد على الاقل 50 مليون ناخب لم يقتربوا من هذه العملية لسبب بسيط وهو انهم خارج الحسابات السياسية. انهم خارج تلك الوحدة التى يطلقها السياسيون. فالولايات الأمريكية انقسمت على يد ترامب فأضاف الى انقسامها الأول انقساما ثانيا حتى باتت الوحدة حلما.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: