كلمات بسيطة حسمت بحكمتها الخلاف حول حرية الرأى ، نعم أنت حر تفعل ماتشاء فى اى وقت تشاء وبالطريقة التى تناسبك ، لكن فقط عليك ان تتذكر وانت تفعل هذا أنك حر مالم تتسبب حريتك هذه فى ضرر الآخرين ، ولتعلم يامن تنادى بالحرية أنها ليست مطلقة او بلا حدود ، وعليك أن تعرف أن حريتك تتوقف عندما تبدأ حرية الاخرين ، حتى إن مثلا شعبيا قديما يحدد لك امرين غاية فى الاهمية المأكل والملبس، فمنحك الحق فى أن تأكل مايعجبك لكن عليك أن ترتدى من الملابس مايعجب الناس، ورغم ان البعض انتقد هذا المثل ورآه تقييدا لحرية الفرد، الا ان الغالبية التى ايدته ترى انه تفسير لمعنى الحرية المسئولة ، فالاكل لاأحد يمكنه أن يفرض عليك ان تتذوق طعاما بعينه او تأكل ذات الطعام كل يوم ، وهو شأن يخصك وبالإمكان الا يشاركك فيه احد ونفعه وضرره يعود عليك انت وحدك ، اما الملبس فهو زينة يراها الناس الذين يخالطونك فى المنزل والعمل والشارع ، وتخضع الملابس للأذواق فى الالوان او طريقة الحياكة، لكنها وفق اعراف لايمكن ان يتخطاها الانسان، لكل هذا يبدو أمر حرية التعبير الذى تتشدق به جماعات حقوق الانسان الغربية التى لاتقيم وزنا للاديان او القيم الاخلاقية، امراً بسيطاً يمكن حسمه بسهولة ، واقراره فى قوانين تضمن الا يتجاوزه أحد، وقبل التطرق للاحداث الاخيرة التى شهدتها فرنسا ومن بعدها النمسا وربما يفتح القوس ليضم اليهما بلدانا اخرى طالما بقيت الافكار متناقضة والكراهية منتشرة والتربص مستمر، بين اطراف تدعى انها تملك الحقيقة وحدها، وأنها مفوضة عن الطرف الاخر ايا ماكان عدده ، علينا أن نتوقف امام مفهوم حرية التعبير الذى أسىء فهمه ، فالحرية الشخصية تعنى ان كل انسان من حقه ان يختار دينه او فكره ومأكله ومشربه واصدقاءه ومسكنه وسيارته وكل مايخص حياته لأنه ليس فى ذلك مايجور على الاخرين او ينتقص منهم، وانه يعبر عن آرائه متى شاء وكيف شاء شريطة الا تكون فى تلك التعبيرات اساءة او انتقاصا من الآخرين وحقهم فى اختيار ما يخصهم ويعبر عنهم ، فمن حق اى إنسان ان يعبر عن رأيه لكن فى حدود القيم الاخلاقية والاعراف المجتمعية، وطالما بقيت الآراء فى هذا الاطار فلا بأس حتى وان اختلفت او تعارضت مع الاخرين، لانها وببساطة ستبقى آراء لاتؤذى مشاعر او تتحدى قيما ، ومن أجل هذا اهتم المجتمع الدولى بالاعلان العالمى لحقوق الانسان، وانتشرت فى ربوع العالم منظمات تدافع عن حق كل فرد فى التعبير عن رأيه، ويكفل له القانون ذلك ، فلايجوز ان يعاقب شخص على رأيه، وهنا يمكن التذكير بما قاله الفيلسوف البريطانى جون ستيورات ميل، الذى كان من أشد المطالبين بحق اى فرد فى التعبير عن رأيه مهما كان مخالفا الاخرين وزاد بقوله ولو غير اخلاقى، وطالب المجتمع بقبول الرأى المخالف هذا وعلى صاحب الرأى أن يقبل بمن يخالفوه اذا توافرت له القوة على منعهم ، لكنه تدارك نفسه وأوضح مقصده عندما وضع شرطا واحدا بقوله ان حرية الرأى مكفولة مالم تلحق ضررا بشخص آخر، ولاشك فى ان التغييرات التى طرأت على الخارطة السكانية فى العالم ، وضعت المفاهيم فى مواجهة دائمة ، فما يراه العربى عيبا لايمثل لدى الاوروبى اى عيب، وجاءت وسائل التواصل الاجتماعى لتعمق الخلافات بفعل الاختلافات الفكرية والعقائدية والقيمية، فنتج عن هذه الاختلافات تطرف وكراهية وعنف بلغ حد القتل ، ومن أسف ان أصحاب الفكر يتوقفون عند حرية التعبير ويحملون صاحب رد الفعل المسؤلية دون اشارة من قريب او بعيد الى من كان سببا فى حدوث العنف، ورغم تكرار ظاهرة الاساءة الى الدين الاسلامى ونبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وما تلا ذلك من ردود فعل عنيفة الا أن احدا لم يتعظ، واستمرت الظاهرة لأنها وجدت من يدعمها ويقف الى جوار مرتكبها، وما تراجع الداعمون عنها الا بعد استشعارهم الخطر الذى سيلحق ببلادهم نتيجة اعلان مقاطعة اقتصادهم، وليس لقناعتهم بأن التجاوز فاق حد الاحتمال، وأن المسلمين فى كل العالم ضد ماقام به البعض من ردود فعل تخطت الجدال بالتى هى أحسن الذى امرنا به ديننا الى استخدام العنف الذى يرفضه، ومن عجب ان القانون الفرنسى ذاته الذى شهدت بلاده آخر ماصدر من اساءة للنبى الاعظم، يمنع اى كتابة او حديث علنى يؤدى الى التحريض والكراهية.
إن العالم مطالب الأن وأكثر من أى وقت مضى بوضع حد حاسم وفاصل بكل ما اوتى من قوة وما امتلك من ادوات قانونية ، لهذه الخروقات التى تعكر صفو السلم المجتمعى فى العالم ، فليس مقبولا ولامعقولا أن يستمر الخروج على القيم بداعى حرية الرأى بين الفترة والاخرى ليعكر صفو الحياة ويزيد التعصب ويشعل نار الفتنة والكراهية.
لمزيد من مقالات أشرف محمود رابط دائم: