رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«لوكاندة» البخل والكرم.. مفارقات مسرحية للعرض التليفزيونى

باسم صادق
مشهد من عرض اللوكاندة

من جديد هلّت أجواء الفن ونسيم الإبداع على شارع عماد الدين بوسط البلد لتهل معه ذكريات رواد المسرح وعمالقته الذين أثروا تاريخ المسرح المصرى بأعمال محفورة فى ذاكرة الجمهور.. فالمار فى ذلك الشارع الشهير تجذبه أنوار الأفيشات الصادرة عن مسرح نجيب الريحانى معلنةً أحدث عروض فرقة «وورك شوب».. «اللوكاندة» مغامرة مسرحية كوميدية جديدة أطلقها أشرف عبد الباقى – مخرجا وممثلا- خصيصا للعرض التليفزيونى بعد تصويرها بالجمهور داخل المسرح..

وتعتمد عروض «اللوكاندة» على فكرة حلقات السيت كوم التليفزيونى المعروفة ولكن على خشبة المسرح.. بمعنى اعتمادها على تيمة أو فكرة أساسية ثابتة دوما تفرز كل أسبوع حدوتة جديدة مرتبطة بالخيط الدرامى الأساسى.. ولأنها أحد أهم التيمات المفجرة للكوميديا على مدى تاريخ الدراما العالمية، فقد اختار عبدالباقى مع المؤلفين الواعدين كريم سامى وأحمد عبدالوهاب أن يكون البخل هو الموضوع الأساسى لحلقات العروض.. فتلك «اللوكاندة» ورثها أخان.. أحدهما بخيل إلى أقصى درجة وهو الحاج رمضان أو «أشرف عبدالباقى» والثانى كريم وهو أكرم أو «دياب».. وبالتالى تقاسما نصيبيهما فى «اللوكاندة» بحيث أصبح كل منهما مسئولا عن نصفها.. بينما يقطن ابن أخيهما المتوفى فى إحدى غرف اللوكاندة وهو الواقع فى حب ابنة عم رمضان شيماء أو «ياسمين سمير».. ومن هنا تدور الأحداث أو المفارقات الكوميدية الصارخة فى حلقات متنوعة لا تزيد مدتها على ساعة واحدة.. وهى كلها حواديت بسيطة ولكنها تعتمد على الأداء التمثيلى لعدد كبير من شباب الممثلين يلعبون شخصيات درامية لا حصر لها أتاحتها فكرة «اللوكاندة» التى تستوعب استقبال كل فئات المجتمع فى أى زمان.. مع عدد محدود من أبطال فرقة مسرح مصر مثل ويزو وحمدى الميرغنى وإبرام سمير بالإضافة إلى الاختيار الموفق جدا للممثل والمطرب دياب.. فرغم وقوفه على المسرح لأول مرة فإنه التقط حساسية التعامل المباشر مع الجمهور بشكل سريع وملحوظ خاصة مع أدائه البسيط الخفيف المناسب لطبيعة الحلقات المسرحية حتى أنه لم يلجأ إلى الغناء إلا فى لحظات قليلة جدا بما يمتع الجمهور ويغذى المذاق الكوميدى.. فى حين كانت شخصيته على مستوى الكتابة المسرحية تحتاج قدرا من العمق لإبراز حجم التناقض بينه وبين أخيه رمضان.. كأن يبدو كريما لدرجة التبذير فيظهر هذا السلوك مدمرا لطبيعة رمضان الشحيحة ولو فى مواقف بسيطة.. بينما لم يكتف أشرف عبد الباقى بحنكته وخبرته التمثيلية على تجسيد دور البخيل على مستوى السلوك فقط وإنما تعامل مع الشخصية بمنطق الشُح فى كل شيء حتى على مستوى الكلام.. لذلك اعتمد طريقة الاكتفاء بقول أنصاف الجُمل فى ذروة الحوار مع الممثل المقابل تاركا الممثل والجمهور فى حالة حيرة وضحك مستمر.. خاصة أن تلك الجمل قد تكون ليس لها علاقة بالحوار.. كأن يشكو مساعده هدهد من بخله فيقول له «انت تعرف النقراشى باشا؟» ويصمت.. أو أن يضحك نصف ضحكة فيقول «هأ» بأداء ساخر مستخدما تعبيرات الاندهاش والفزع من أى أرقام تقال أمامه وهكذا.. تلك الطريقة فى الأداء رغم بساطتها فإنها تحمل ذكاءً بالغا بما ترسمه للشخصية من ملامح نفسية مكملة للمظهر الجسدى للبخيل الذى لا يرتدى سوى جاكت بدلة قديما فوق جلباب مهلهل.

وفى سبيل تعميق وتصدير حالة البخل دائما للجمهور فقد اعتمد د. محمود سامى مصمم الديكور على منظرين مسرحيين ثابتين يتبادلان الأدوار.. الأول لمنطقة استقبال «اللوكاندة» وقد قسمها إلى قسمين متساويين أيضا أحدهما بديكورات قديمة عتيقة بالية وهو الجزء الخاص بالحاج رمضان.. أما الجزء الثانى الخاص بشخصية أكرم فقد صُممت على طراز معاصر.. وحتى غرفة ابن أخيهما الواقعة فى منتصف «اللوكاندة» فقد انتصف بابها جزء قديم وجزء معاصر.. أما المنظر الثانى فهو لإحدى غرف «اللوكاندة» وصُمم فى ظهر المنظر الأول.. وكلاهما مرتكز على قرص دائرى قطره ثمانية أمتار.. يدور أوتوماتيكيا فى حالة التغيير.. ويحسب لمصمم الديكور أنه صمم قرصا بهذه الضخامة بتلك الدقة رغم صغر حجم خشبة المسرح..

شاهدت عرضين من عروض «اللوكاندة» فى ليلة واحدة وهما «خطفونى» و«إعلان اللوكاندة» وفيهما قدم الممثلون أدوارهم باجتهاد شديد فبرز منهم إبرام سمير الذى بدا وكأنه خليفة الراحل فؤاد خليل فى اتباعه لمدرسة الأداء العصبى المتشنج مع وعيه باحتفاظه ببصمته الأدائية.. شريف حسنى فى دور صبرى رجل الأمن البسيط الباحث عن لقمة العيش.. ياسمين سمير فى دور شيماء التى تعانى بخل أبيها ..مصطفى حمزة فى دور سمكة مساعد الممثلة وهو صاحب أداء انفعالى يسخر لخدمته كل حواسه رغم صغر دوره.. وكذلك العائلة الصعيدية مريم البحراوى ومحمد بطاوى ومحمد عصام وكعادتها شكلت ويزو فى شخصية زوجة أكرم، ثنائيا كوميديا صارخا مع حمدى الميرغنى اعتمادا على التناقض الجسدى بينهما.. واكتملت منظومة الكوميديا بكلمات الأغانى الرشيقة المرحة والمعبرة عن حالة «اللوكاندة» وكتبها أيمن بهجت قمر وموسيقى احمد الموجى.

«اللوكاندة» حالة كوميدية مُلحة تفتقدها الحركة المسرحية الآن خاصة فى ظل احتياج الأسرة المصرية للضحك والترفيه بسبب حالة الخوف وترقب وباء الكورونا.. وفى ظل الصمت والاختفاء التام لعروض فرقة المسرح الكوميدى التابعة لمسرح الدولة منذ شهور طويلة.. وهو ما بدا واضحا فى امتلاء المسرح عن آخره طوال العروض.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق