رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التطرف والعنصرية وجهان لحقيقة واحدة

في خِضَم الجدل الدائر حول الإسلام والمسلمين في فرنسا، والذي ارتبط بالتجاوزات في حق الرسول الكريم وأحداث الإرهاب وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، من الضروري الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين أفكار التطرف التي تحملها أقلية مُنحرفة من المسلمين وأفكار العنصرية التي تتبناها قطاعات من الشعب الفرنسي. فكلاهما وجهان لحقيقة واحدة وكل منهما يغذي الآخر وينميه.

فالفكر المتطرف، بوجهٍ عام، ينطلق من الاعتقاد أن ما يؤمن به من معتقدات ومعان هي أسمى وأرقى من الأفكار السائدة في المجتمعات الأخرى بل وأسمى من الأفكار المخالفة له الموجودة في نفس مجتمعه. واتِّساقاً مع ذلك، فإن الإنسان المتطرف يؤمن بأن ما يعتقد فيه هو أفضل وأسمى من معتقدات الآخرين. ليس هذا وحسب، فإن أنصار الفكر المتطرف يعتقدون أن أفكارهم هي الحقيقة الصائبة الوحيدة والمطلقة. ويترتب على ذلك، أنه لما كانوا يُمثِّلون الخير كله والصواب كله، فإن الآخرين بالضرورة يُمثِّلون الشر كله والخطأ كله.

وفي ظل هذا التوجه، تتقطع أوصال العلاقة مع الآخرين، وتنعدم فرص الحوار معهم. فلا حوار بين الخير والشر أو بين الفضيلة والرذيلة. وفي ظل ذلك، فإن الأمور تبدو مطلقة وجامدة. وتنحصر كلها في الأبيض والأسود، ولا مجال لأي مناطق رمادية أو حلول وسط. وتكون النتيجة تبرير الغِلظة في القول والعنف في الممارسة باعتبارهما الأسلوب الوحيد في التعامل مع المخالفين في الرأي والاعتقاد. ويزداد الأمر تعقيداً عندما يرتبط التطرف بتفسير الدين. ففي هذه الحالة، يسعى المتطرفون إلى إسباغ آرائهم بصبغة دينية توفر لها قدسية واحتراماً.

وعلى نفس المنوال، فإن الفكر العنصري ينطلق من أفكار مماثلة، ويوجد تراث كبير فيما سُمي بـرسالة الرجل الأبيض في القرن التاسع عشر والاستعلاء العنصري في القرن العشرين والذي يظهر حالياً في مواقف كثير من الدول الأوروبية تجاه قضايا الهجرة واللاجئين، ويظهر أيضاً في الأوضاع الاجتماعية للفرنسيين المسلمين وتردي الظروف المعيشية لأعداد كبيرة منهم وشعورهم بعدم المساواة، مما يؤدي إلى نشوب مظاهرات واضطرابات اجتماعية من آنٍ لآخر.

وتعبِّر عن هذه الأفكار العنصرية أحزاب اليمين المتطرف التي يزداد تأييدها الشعبي ووزنها السياسي في أوروبا. ومنها حزب التجمع الوطني في فرنسا وحزب رابطة الشمال في إيطاليا، وحزب الحرية النمساوي وحزب العدالة والقانون في بولندا. هذه الأحزاب لها المتحدثون باسمها في الإعلام والممثلون لسياساتها في الحكومة والبرلمان وبعضهم يحذرون من ازدياد عدد المسلمين في المجتمعات الأوروبية، ويقرعون أجراس الخطر من أسلمة أوروبا.

وجوهر العنصرية الاعتقاد أن هناك أجناسا وشعوبا أرقى وأفضل من الآخرين. وأنهم يمتلكون سمات عقلية وقدرات جسدية أفضل من غيرهم. وأن هذا السمو حتمي ومطلق ولا يتغير بل تتوارثه الأجيال وهو من طبائع الأمور. يجمع بين التطرف والعنصرية ادِّعاء التفوق على الآخرين وأن المنتمين لجنس أو دين أو طائفة بعينها يتميزون بالضرورة على غيرهم.

والتيار الرئيسي في الفكر العربي والإسلامي في منطقتنا، يرفض كل من ادِّعاءات التطرف والعنصرية، لأن البشر جميعاً من خلق الله وكلهم من آدم، وأن حكمة الخالق هى الاختلاف، ولو أراد الله تعالى أن يجعل كل البشر على ملة واحدة أو مذهب واحد لفعل. ومن ثَم، فإنه ينبغي أن تسود قيم التسامح والتعايش والحوار القائم على القبول المتبادل في العلاقات بين مختلف البشر.

لقد تحدث وزير الداخلية الفرنسي عن طعام المسلمين بعبارات مسيئة، وذكر الرئيس ماكرون أن الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم اليوم، وكان الأحرى به أن يشير إلى أزمة فرنسا في إدارة علاقاتها مع فئة من مواطنيها «أي الفرنسيون المسلمون». ويبدو أنه أدرك خطورة عواقب هذه الكلمات، فأدلي بحديث تليفزيوني مطول شرح فيه ما كان يقصده، وأن بعض كلماته حُرِّفت وتم استخدامها خارج سياقها. هذا في الوقت الذي سعي فيه الرئيس التركي أردوغان وقوى الإسلام السياسي إلى توظيف الموضوع لخدمة أغراضهم وتأجيج مشاعر الإثارة ضد فرنسا وماكرون.

الإثارة والتهييج لا تخدم مصالح المسلمين في فرنسا، ولكن الحل يكمن في رفض التطرف من ناحية والعنصرية من ناحية أخرى، وضمان حقوق المواطنة للجميع بغض النظر عن دياناتهم.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: