رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدكتورة فرخندة حسن

تعرفت على الدكتورة فرخندة حسن في نهاية عام 1990. كنا قد دعينا معا مع عدد من القيادات النسائية الى زيارة الاتحاد السوفيتي في نهاياته ونهاية عصر جورباتشوف. وكان على وشك الرحيل كاتحاد سوفيتي يقود كتلة اشتراكية وقفت معا عسكريا وصناعيا طوال فترة الستينيات من القرن الماضي. وكان الوفد مكونا منها ومني ومن الدكتورة منى مكرم وهناء عباس ومنى القرشي والراحلتين ليلي الشال ومحسنة توفيق. وفي مطار القاهرة وجدت نفسي في وفد ليس له رأس او قدمان فاقترحت على الزميلات ان نعتبر الدكتورة فرخندة بصفتها اكبرنا سنا وعضوا في الحزب الوطني ان تكون هي رئيسة الوفد حتى نسهل على المضيفين وسيلة الاتصال بنا وحتى نبدو نحن امامهم كوفد نسائي يتحد في قضايا المرأة بالرغم من الاختلافات السياسية بينهن.ثم ذهبت الى الدكتورة فرخندة حيث كانت واقفة بعيدا عنا وأبلغتها بقرارنا. فرحت وشكرتني سائلة ومن صاحبة الفكرة يا امينة أجبتها كلنا يا دكتورة. نظرت إلي وسكتت.

وهناك في موسكو وغيرها من المدن الكبيرة عبرنا كلنا عن تمسكنا بمصرنا التي نحبها ولكن في الوقت نفسه عبرت كل منا بحرية عن الطريق لإصلاحها. وبالقطع كانت طرقا مختلفة بعض الشيء بسبب تعدد انتماءاتنا السياسية. وتقبلت الدكتورة فرخندة كل الآراء ولم تعترض على اي منها حتى تلك التي ذكرت كامب ديفيد. ولكن ما اتذكره جيدا انه كان هناك في ذات الوقت وفد سياسي رجالي في موسكو وكانت المشادات بينهم حامية مما ادى بالروس إلى ان اشادوا بتصرف الوفد النسائي وبقيادة الدكتورة فرخندة حسن له.

ثم التقينا ثانيا عام 2000 في اجتماع دعيت اليه بعد الإعلان عن تشكيل المجلس القومي للمرأة وكان اسمي ضمن المختارات بعضويته دون أن أدري قبل الإعلان.يومها كان الاجتماع في رئاسة الجمهورية وبرئاسة السيد الرئيس الاسبق حسني مبارك. يومها تصافحنا وابلغتها انني خارجة من مرحلة مرض واني لا ادري إن كنت قادرة على العمل في هذا النشاط الجديد. قلت لها انا تركت انتخابات النقابة عشان تعبانة جدا أجابت تعبانة؟ ده انت زي العفاريت. وضحكنا. وبدأت مرحلة نشاط تطوعي جديدة لي في المجلس القومي للمرأة استمرت عشرة اعوام كاملة. سنة واحدة تحت إدارة السفيرة العزيزة مرفت تلاوي وتسعا اخري تحت إدارة دكتورة فرخندة حسن. ومع الإدارتين استطعت ان اتعرف على حقيقة قضية المرأة المصرية وارتباطها بقضايا الوطن ككل كما عرفت ان المرأة المصرية ليست امرأة واحدة وإنما هي عدة نساء منهن الحضرية والاخرى الريفية والثانية الحدودية كما توجد المرأة النوبية وأن لكل منهن طموحاتها ومشاكلها الخاصة والعامة. كان المجلس القومي للمرأة كالمدرسة التي تعلمت منها المعنى الحقيقي للعمل النسائي. وفي الحقيقة لم تقف الدكتورة مانعة إياي من العمل او التنقل او الدراسة. بل كانت باستمرار تنبهني امينة انت بتجري وتجرينا وراك.

كانت منظمة للغاية ومنضبطة ولم يحدث أن طلبت مني فعل شيء او قول آخر ولكنها تركتني كما تركتنا نتعلم مما نمارسه ونلاحظه. كانت تعرف حدودها معي ومعنا لأنها كانت واعية للفروق السياسية التي تفصل بيننا إلا انها احترمت هذه الفروق لأنها كانت تعلم اختلافنا في عدد هائل من القضايا الاجتماعية والاقتصادية الاخرى الا ان اتفاقنا في قضايا المرأة يحتمل العمل المشترك.

لم تنس يوما انها استاذة جولوجيا وان لها طلبة في كل مكان في مصر وفي الوطن العربي. في احدي زيارتنا الى المملكة الأردنية وجدناها تحيي الملكة رانيا بحرارة ثم تنطلق حولها قائلة اصلها تلميذتي في الجامعة. وهكذا في كل رحلة او زيارة أو تحرك صغير داخل مصر يظهر لها تلاميذها الذين تخرجوا فى فصولها على طول سنوات عملها الدراسي في الجامعة. وفي احيان وفي لحظات الاسترخاء كانت تتحدث عن العلم البسيط بمرجعية مصرية خالصة. »انتم عارفين ان الخميرة اللي تخمر العجينة ده اختراع نسائي مصري«. ثم تروي كيف ان المرأة المصرية القديمة كانت تصنع الخميرة في منزلها ليلا لتستخدمها في الصباح. »انتم عارفين ان اقدم عالمة في العالم كانت مصرية من الاسكندرية وقتلها الرجال تماما كما حدث لجان دارك الفرنسية«. ثم تروي كيف ان عالم الرجال القديم لم يستوعب ان تصبح المرأة عالمة وتتحدث عن العلوم وكأنها درستها كما درسوها، فكانوا يتهمونها بالهرتقة ثم يعزلونها ليقتلوها. إنها هاباتشيا المصرية التي لم يرحمها رجال الدين المتخلفون والقوا بها في الشارع بعد اتهامها بالرذيلة.

وقد وعدتنا ان تؤلف كتابا عن هذه المصرية العظيمة وكتابا آخر عن دكتورة سميرة موسى العالمة التي لم تعرف اسباب او ظروف وفاتها في الولايات المتحدة الامريكية، كانت دكتورة فرخندة تعرفها في الجامعة. ولكن لم يشأ القدر ان يسعفها لتصدر لنا الكتابين.

اتذكر اننا دعينا لحضور احد مؤتمرات المجلس القومي بعد ان تركناه وبعد ان تولت مسئولياته الدكتورة مايا مرسي وكنت اظنها لن تحضر. ولكنها كانت هناك في محيط جيش من النساء القاهريات والأخريات القادمات من المحافظات. وقفت تحيي هذا الجيش الكبير من النساء المصريات اللاتي حضرن الاحتفال. وبعد عناء وصلت اليها لأحييها فاجأتني بالقول انت فين؟ »انا ادور عليك من بدري. فاجبتها اصلهم دخلوني في غرفة كبار الزوار وانتظرتك هناك. اجابت بسرعة غرفة إيه وزوار ايه، انا هنا بسلم على الزميلات من المحافظات. اصلهم وحشوني جدا«. هكذا كانت هذه السيدة التي جاءت من الجامعة لتعمل مع نساء مصر وتخدمهن.

كانت ذكية حنونة ومحبة للجميع. أعداؤها قليلون وأصدقاؤها كثر. وعادت للجامعة بعد ان تركت المجلس واستمرت تعلم الطلبة الى ان رحلت بعد عشر سنوات. رحمها الله.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: