رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الجزائر والتعديلات الدستورية

فى يوم الأحد الموافق الأول من نوفمبر يتجه الجزائريون للاستفتاء على تعديل دستورهم ، وبطبيعة الحال فإن تحديد هذا التاريخ موعداً للاستفتاء القصد منه هو التأكيد على أن النظام السياسى الجزائرى مازال يستمد شرعيته من مبادئ ثورة الأول من نوفمبر وبيانها التأسيسى ، وهو أيضاً ما يبرزه نص التعديلات الدستورية بدايةً من الديباجة، وفى الوقت نفسه أوضحت الديباجة أن التعديلات الجديدة تتوخى تلبية مطالب «الحراك الشعبى الأصيل الذى انطلق فى 22 فبراير 2019»، وكأن لجنة الخبراء التى أجرت التعديلات تحرص على الإشارة إلى ارتباط ماضى الجزائر بحاضرها، وأن هذا الارتباط هو عنوان الجمهورية الجديدة التى تحدث عنها الرئيس تبون . ومواكبةً لهذا التطور المهم فى المسار السياسى الجزائرى سوف يعنى مقال هذا الأسبوع بقضية الهوية فى التعديلات الدستورية، فيما يختص مقال الأسبوع المقبل بمناقشة شكل نظام الحكم ومنظومة الحقوق والحريات.

اعتبارا من التعديلات الدستورية لعام 2016 تم استحداث نص يشير إلى أن «التمازيغت هى كذلك لغة وطنية ورسمية» وذلك إضافة إلى اللغة العربية التى هى اللغة الوطنية والرسمية بألف ولام التعريف. و التمازيغت هى إحدى اللهجات العديدة التى تتكلمها المجموعات الأمازيغية الموزعة على مناطق مختلفة فى الجزائر والتى تتمازج مع العرب بأشكال متنوعة ، منها الزواج المختلط والجوار ومنها أيضا كتابة اللهجة الأمازيغية بالحرف العربى ، فضلاً عن التاريخ النضالى المشترك ضد الاحتلال الفرنسى . وفى التعديلات الدستورية لعام 2020 حافظت لجنة الخبراء على نص المادة الخاصة بالأمازيغية الموجودة فى صلب دستور 2016 المعمول به حالياً ونقلتها بنصها الحرفى، لكن على الرغم من أن المادة ليست جديدة فإنها أثارت جدلاً واسعاً من حولها ، فكثير من الجزائريين يرى أن تعديلات 2016 هى تعديلات باطلة بسبب تمريرها عن طريق البرلمان بغرفتيه الاثنتين وليس عن طريق الاستفتاء الشعبى ، أما وأن تعديلات 2020 سوف تُعرَض للاستفتاء عليها وهذه طريقة ديمقراطية بامتياز فإنهم يتعاملون مع التعديلات ككل ــ ومنها نص المادة الخاصة بالأمازيغية ــ وكأنها جديدة عليهم، لأنهم لايعترفون بما قبلها . وفى هذا السياق أُبديت ملاحظات كثيرة على المادة الرابعة ذات الصلة.

إحدى هذه الملاحظات هى أن المادة الرابعة فى التعديلات الدستورية الأخيرة تحولت للمرة الأولى إلى مادة صماء لا يجوز تغييرها، إذ حصّنت لجنة الخبراء فى المادة 223 عشر مسائل من أى تعديل دستورى محتمل فى المستقبل وأغلقت باب نقاشها بشكل نهائى ، وهذه المسائل تشمل بين ما تشمل أن التمازيغت لغة وطنية ورسمية ، وبالتالى فإن المواطن الذى يعترض على هذا النص مضطر حتماً لقبوله إن هو أراد تمرير التعديلات ككل. ولذلك كان البعض يفضّل تقسيم الاستفتاء إلى شقين، شق خاص بشكل نظام الحكم والحقوق والواجبات، وشق آخر خاص بالمكونات الأساسية للمجتمع الجزائرى. الملاحظة الأخرى ما اعتبره البعض بمثابة تحيز لإحدى اللهجات الأمازيغية وهى التمازيغت على حساب باقى اللهجات الأخرى، هذا مع العلم بأن لجنة الخبراء ضمت فى عضويتها «أمازيغ» .الملاحظة الثالثة ترتبط بالخوف مما يوصف بفدرلة الجزائر بمعنى تحويلها إلى نظام فيدرالى. وينبع هذا الخوف مما تضمنته المادة 17 فى التعديلات الدستورية الجديدة من النص على أنه بغرض تحقيق التوازن الاقتصادى والاجتماعى للبلديات المحدودة التنمية يمكن أن يخص القانون بعض البلديات القليلة التنمية بنظام خاص ، وبالتالى فإنه فى حال تمتعت بعض البلديات الأمازيغية بهذا الوضع الخاص فإنها تكون قد جمعت مابين الخصوصية الثقافية اللغوية والخصوصية الإدارية الجهوية، ما قد يؤدى مستقبلاً إلى المطالبة بالفيدرالية والتحول بالدولة الجزائرية من بسيطة إلى مركبة. الملاحظة الرابعة هى أن بعض الأصوات الأمازيغية المتطرفة قد دخلت على الخط وهاجمت العروبة والإسلام، معلنة أنه آن الأوان للتخلى عن العربية إلى الأمازيغية، ماترك الانطباع لدى المواطن العادى بأن هويته فى خطر .

ما سبق ينبغى ألا يجعلنا نتصور أن المواقف من المادة الرابعة جاءت على النحو التالى: أمازيغ مؤيدون وعرب رافضون، أو إسلاميون ضد وغير إسلاميين مع، لكن اختلطت مواقف هذه الأطراف، لأن هناك اعتبارات مختلفة أسهمت فى تشكيلها، وهذا على أى حال مهم لنزع فتيل الاستقطاب. فلقد وقف حزب جبهة القوى الاشتراكية الأمازيغى ضد التعديلات الدستورية بشكل عام ورفض المشاركة فى الحوار المجتمعى من حولها، ويرتبط ذلك بموقفه المعلن والثابت من أن التعديلات يجب أن تتم عن طريق لجنة منتخبة مباشرة من الشعب وليست معينة من جانب الرئيس، حتى لو تشاورت هذه اللجنة مع فئات مختلفة من المواطنين، ونفس الموقف الناقد اتخذه الحزب الأمازيغى الكبير الثانى وهو حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، لكن هذا لا يمنع أن نسبة المشاركة الأمازيغية فى الاستفتاء متوقع أن ترتفع بعكس ما كان عليه الحال فى الانتخابات الرئاسية عام 2019. على صعيد آخر، أكد رئيس حزب حركة البناء الإسلامى (البراجماتي) عبدالقادر بن قرينة أن التعديلات الدستورية تحمى ثوابت الهوية الوطنية وتعززها ، بل إنه خطا خطوة أبعد عندما لوّح بالاستقالة إذا ما تم التصويت بلا على التعديلات ، وفى مقابله اتخذت قوى إسلامية أخرى مثل حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحزب العدالة والتنمية موقفاً ناقداً.

إن إدارة التعددية الثقافية فى المجتمعات المتعددة القوميات والأديان مسألة بالغة الحساسية وتحتاج إلى الموازنة الدقيقة مابين احترام الاختلاف الثقافى والحفاظ على التماسك الوطنى، وكلنا ثقة فى أن الجزائر الشقيقة قادرة على تحقيق هذا التوازن الأساسى وغلق الباب أمام كل تدخل خارجى.


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: