العبادات فى الاسلام كثيرة ومتنوعة، فإضافة إلى أركانه من: شهادة، وصلاة، وصوم، وزكاة، وحج.. فإن الأعمال التى يبتغى بها وجه الله تعد عبادة أيضا، ومثال ذلك: رعاية اليتيم، وجبر الخواطر، والصدقات، والإحسان. ولذلك يمكن القول إن من يحرص على رضاء الله فى كل أقواله ومعاملاته وعمله، فى عبادة دائمة، وهو من المتقين، الذين يحاسبون أنفسهم أشد من محاسبة الآخرين.
ومن العبادات الصامتة، عبادة التفكّر والتأمل فى خلق الله وقدرته، قال تعالى فى سورة آل عمران: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار».
والتفكّر هو أعلى وأسمى درجات التفكير، وهو إعمال العقل وإمعان الفكر، للوصول إلى الحقائق، ليس هناك وجود مادى للعقل، فالعقل هو وصف للوظائف العليا للدماغ أو المخ البشرى من ذكاء وتذكر وتفكير وجدل وتحليل. والعقل من أعظم النعم وقمة التشريف للإنسان، يميز به بين النافع والضار، ويجتهد به فى الحياة. والذهن هو استيعاب العقل للمعلومات التى توفرها الحواس الظاهرة والباطنة. ونشاط العقل مستمر ويتم بشكل واع وغير واع، وإذا غادرت الروح الجسد فلا وجود للعقل.
والتفكير هو إعمال العقل للوصول إلى خاطرة أو فكرة أو معرفة ما. والتفكر أعمق من التفكير، وهو إعمال العقل فى أمر أو شيء مهم، مما يتطلب جهدا خاصًا وتركيزًا فى التفكير والتأمل والتدبر والتحليل والاستنباط. والفكر ناتج التفكير والتفكر، وهو إنتاج بشرى يحتمل الصواب والخطأ، ويقترب من الصواب إذا كان مستنداً إلى عقل راجح، ومنسجماً مع الوقائع والطبائع.
وإذا كان الإسلام يدعو إلى إعمال العقل، فهذا يتطلب تحرير التفكير من عدة قيود، أهمها: الشخصية وهى الخبرات والعواطف، والاجتماعية وهى العادات والتقاليد، والمادية وهى الإمكانات والقدرات المتاحة، وذلك حتى يكون الفكر الناتج منطقيًا وغير منحاز.
ومن الأهمية تأكيد أن تحرير التفكير لا يعنى عدم الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاقيات.
وكمال العقل يوجب اتباع البرهان، ونبذ الجهل والهوى والكبر والتعصب والتقليد الأعمى والجدل بالباطل والخرافات والأوهام والسحر والشعوذة والدجل، وهذه الآفات تعطل العقل عن التفكير. وإذا تعطل العقل أصبح الشخص غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، سهل الانزلاق إلى الحقد والتعصب والتكفير والجهاد المزعوم.
خشية العلماء لله
يقول العلى القدير فى سورة فاطر: «وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور»ٌ، فالاختلاف بين الناس ليس فقط فى الألسن واللون، بل فى القدرات، فمن الناس من لا عقل له فلا عتاب عليه، قال تعالي: «ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا». وحسابه دقيق.
والعلماء هم العارفون ليس فقط بعلوم الدين، ولكن بسائر العلوم: الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والتطبيقية، وهم الأقدر على إعمال العقل والتأمل والتفكر. والخشية هى التى تحول بين الإنسان ومعصية الخالق عز وجل، وهى التى تؤدى إلى طاعته، ليس فقط فى العبادات، ولكن الأهم: فى السلوكيات والمعاملات وتعمير الأرض.
رابط دائم: