إذا كنا بالفعل سنتوجه الى الريف ونهتم بالأرض والزراعة والمياه والفلاح فعلينا ان نتوجه فى نفس الوقت إلى المرأة الريفية التى هى زميلة الفلاح وشريكته فى الحياة بكل مساحتها. فبالإحصاء، تكون المرأة الريفية نسبة 50% من سكان الريف أى نصف سكانه بمعنى انها ربع سكان مصر. وإذا كانت خريطة الفقر التى وضعتها الحكومة اوضحت ان الفقر يعيش فى عدد من محافظات مصر وتحديدا فى ريفها فلا شك ان هذا الفقر قد تبلور اكثر فى صفوف النساء. لذا ركزت الدولة خاصة فى مشاريع مكافحة الفقر ومنها مشروع تكافل وكرامة على النساء فى الريف حيث يضيق الرزق وبالتالى ترتفع معدلات الفقر.
واتذكر ان فى عام 2013 عندما كانت الدكتورة مايا مرسى مسئولة منظمة المرأة فى الامم المتحدة أن نظمت معى دراسة بعنوان: المرأة الريفية بين الحصادين, وهى الدراسة التى سمحت لى بالتجوال بين عدد معقول من قرى صعيد مصر للتعرف على كيفية ادارة المرأة الريفية لشئون بيتها فى الفترات التى تقع بين حالات الحصاد التى تدر عادة دخلا لهذه الاسر. فى حينها، تعرفت على الفقر فى الريف والطرق التى تتغلب بها المرأة على هذا الفقر كما عرفت ان الحياة هناك ليست سهلة كما ان وسيلة العمل ليست هى الأخرى سهلة بالمرة. ابسط ما يمكن ان يقال إن هذه الاسر الكثيرة العدد تعيش على مساحة ارض تحيطها الجبال بحيث تضيق فرص العمل الزراعى الذى يتقنونه وبالتالى تضيق فرص الدخل. فانعدام التنمية لا تتيح فرصة وجود فرص عمل غير زراعية، فيعيش الناس على الحالة التى توضحها خريطة الفقر المصرية وتحديدا على نسائها غير القادرات على التحرك خارج القرية.
وفى نفس الوقت لا يمكن تجاهل ان المرأة الريفية كانت لمراحل زمنية متكررة مسئولة عن زراعة الارض فى الغياب الاضطرارى لزوجها وهو ما ادى الى تراجع الزراعة المصرية فى هذه الفترات. فى حدود الذاكرة غاب الفلاح عن الارض مجبرا فى فترات استدعاء الوالى محمد على له ثم فى استدعاء ديليسبس له لحفر قناة السويس وعندما استدعته السلطة فى الحرب الاولى واخيرا عندما استدعته منطقة الخليج بعد حرب عالمية. المرأة الريفية استمرت تزرع الارض وتتعامل مع كل مراحلها ولكن لا تقوم بهذا العمل بكفاءة الرجل طالما استمرت الزراعة غير متقدمة. فباستمرار يستمر الرجل هو سيد الارض وتستمر المرأة المساند او المساعد. فهى تساند فى العمل الزراعى وبالتالى تساند فى زيادة دخل الاسرة ولكن باستمرار كعامل مساعد. وفى لحظة غياب الرجل تظهر المرأة ولكن بدورها المتوارث المتواضع.
ومن هنا تأتى اهمية العناية بالمرأة الريفية فى حالة توجهنا للريف المصري. التوجه اليها لا يتوقف عندها كمواطنة قليلة الحيلة تعامل دائما كأداة انجاب وانما يتم التوجه اليها كمواطنة لها حقوق فى الحياة كما ان عليها واجبات. ولكن فى حالتها المصرية الحالية تأتى حقوقها قبل واجباتها. ولا يمكن انكار الدور او الادوار التى يقوم بها المجلس القومى للمرأة فى مجال المرأة الريفية المصرية. فهو يتجه اليها بعقلية الحضر الذى يريد انتشال الريفيات من حالة اللاتنمية التى تعيشها الريفية من خلال ادخال اساليب عمل جديدة تساعدها على الخروج من حالة القدرات الضعيفة للزج بها الى حالة جديدة عليها. وقد أقدم المجلس فى مرحلة منه على محاولة مد يده للمرأة الريفية لزيادة قدراتها الذاتية المرتبطة بطبيعة بيئتها وهى الزراعة والارض والمياه ولكن لم تساعده الظروف العامة على ذلك. ولكن مع توجه الدولة للريف فان الظروف باتت مواتية لتجربة جديدة. خلاصتها ان الدولة ومعها المجلس القومى للمرأة والمؤسسات المعنية الاخرى تبدأ فى تعليم المرأة الريفية كيفية تطوير اساليب تربية الدواجن بأنواعها ورءوس الغنم والماشية اذا ارادت ووسائل تطوير صناعة الالبان والاعمال الاخرى المرتبطة بالزراعة فى الاساس.
ويجب الا ننسى ان الكثيرين تجاهلوا حقيقة ان ثلث الانتاج الداجنى كانت تنتجه المرأة الريفية الى ان عانت البلاد من انفلونزا الطيور واتضحت قدرات المرأة الضعيفة فى تطوير عملها لحماية هذه القدرات التى تعيش عليها اسرتها. يومها فقط تم الاعتراف بدور الريفية فى البنيان القومى العام. كما تمت ملاحظة انها لا تستطيع ان تطور عملها لأنها لم تجد بجانبها من يعلمها او يأخذ بيدها. كما حدث ولا يزال يحدث فى كل بلاد العالم التى تهتم الدولة فيه بالريف، فالدولة تعلم ان الريفية تساند الفلاح ولكن بأسلوب يتلاءم مع قدراتها الذاتية. فى زيارة لى للولايات المتحدة قمت بزيارة لمزرعة 80 هكتارا يعيش عليها مزارع وزوجته ويساندهما عامل زراعة واحد. حددت الزوجة مسئوليتها فى المزرعة فى عمل واحد وهى العناية بعنابر الخنازير, مائة خنزير. وهى مزرعة مكونة من عدة عنابر وتقع كلها فى محيط تقنى متقدم للغاية بدءا من التغذية إلى الحمامات ثم التلقيح الصناعى و أخيرا التوليد. وفى زيارة قديمة لتشيكوسلوفاكيا قبل التقسيم، زرت مزرعة دواجن تنتج 5 ملايين بيضة كل عام. تقوم على ادارة هذه المزرعة المتقدمة تقنيا خمس ريفيات. اتصور ان احد اسباب النجاح فى الحالتين كان فى الاساس التقدم التقني, ثم ان النساء فى الحالتين كن يعملن فى صناعة زراعية مرتبطة بالأرض والفلاح والمياه. ولكن لم تكن التقنية العالية هى الاولى وإنما جاءت بعد فترة عمل للنساء العاملات فى الزراعة. لم تفكر الدولة, بالرغم من التناقض بينهما, فى الحالتين تقديم ماكينات خياطة او صناعات صغيرة او اى من تلك الصناعات التى نفكر فيها عادة كحضريات وانما خضعت الدولة فى الحالتين للواقع الريفي. وعندما فعلت الدولة ذلك خضعت الريفيات إراديا لأهداف الدولة وفى مقدمة هذه الأهداف كان الحد من الانجاب.
لمزيد من مقالات أمينة شفيق رابط دائم: