تجربة جديدة قد يمر بها كثيرون من الناس حول العالم، والمحظوظ فقط من لا يمر بها، فقد ارتفعت درجة حرارتى الأسبوع الماضى نصف درجة فقط (أعدتها لنومى فى التكييف البارد)، ولم أتردد فى تناول مخفض حرارة ظنا منى أنها نزلة برد خفيفة، ولحسن حظي، اتصل بى أحد الأصدقاء، وهو من كبار أساتذة كلية الطب عارضا الذهاب معا للعشاء فى أحد الأماكن، فهذا موسم السمان، ويحرص أبناء الإسكندرية على تناول هذه الوجبة خلال هذا الشهر، فاعتذرت له بسبب دور البرد، ولأنه فى المجال الطبي، ويعلم الظروف الوبائية الحالية، فإننى فوجئت به يرسل إلىّ «معمل التحاليل» لإجراء مسحة كورونا، وبرغم شدة استغرابى من هذا الوسواس، فقد رضخت لعمل المسحة، وكانت المفأجاة قاسية، حيث بينت إصابتى بالوباء.
وهنا تبدأ القصة، وما فيها من أحداث وتغييرات لم يعشها أغلبنا، ففى نفس لحظة وصول النتيجة على الهاتف، تم إغلاق باب غرفتى علىّ وإعلان حبسي، وإدخال عدد كبير من الأطباق والأكواب أحادية الاستخدام، وتطهير كامل لكل شىء لمسته خلال آخر ثلاثة أيام، واستدعاء المعمل مرة اخرى لعمل مسحات لكل اهل البيت بمن فيهم المعاونون، وفتح اتصال تليفونى مع المتخصصين من الأطباء من أصدقائنا وغيرهم، وانهالت علينا الوصفات الطبية والأدوية، وكل شيء يحدث بسرعة البرق، وتحولت فجأة إلى سجين موبوء، يرفض أقرب الناس إلىّ مجرد أن أفتح باب غرفتى.
وجاءت بعد ذلك مرحلة إبلاغ الأهل والأصدقاء وسكان العمارة والعمل بإصابتى بالداء، وانهالت الرسائل والمكالمات التليفونية للسؤال والاطمئنان ممن علموا بالخبر، ثم رويدا رويدا بدأت الأمور فى الهدوء، واعتدت الوحدة، واكتشفت أن قائمة الأصدقاء ما هى الا مجموعة من المعارف تجمعهم أوقات الفراغ او تجمعات بلا روح، وأن أهميتى عند مجموعات أقل بقليل ممن اعتقدت يوما أننى بغيابى عنهم قد يحدث تغير فى نظامهم اليومى، واكتشفت أيضا أن الدنيا تسير بنفس خطاها، وأن مكتبى يعمل بنفس نظامه، وأن الكون لم يمهل خطاه بسبب حبسى!
وبدأت الأحاسيس فى الاختلاط، فما بال المساجين الذين يحتجزون فى زنازين ضيقة بلا أجهزة تسلية ولا مكيفات، ورحت أصيغ حياتى من جديد، وأعيد ترتيب أولوياتى.
ولأول مرة أتخيل إحساس أننى ميت، وأسمع أهل بيتى وأولادى يتحادثون ويلعبون ولا أستطيع المشاركة او التوجيه.. تماما كما فى افلام الخيال العلمي، فأنت تستطيع ان تسمع الجميع ولا احد يود ان يراك او يستمع اليك ..احاسيس غريبة جدا لمجرد حبس اسبوعين.. إنها تجربة أتمنى الا يعيشها احد غيري، ولكنى مع الاسف كلى قناعة ان كثيرين من الشباب يستهترون بالوباء ولا يتخذون الاحتياطات الواجبة.. أرجو الانتباه قبل فوات الاوان، الاهتمام بالمأكل والمشرب الصحى، وأرجو من كل فرد الاهتمام الكبير بعائلته فهم كنزه الذى لا يراه، والاهتمام بالصداقات الحقيقية لأنها سند وقت الشدائد، وأتمنى الاهتمام بالرياضة وغيرها مما يحفظ صحة شبابنا.
مهندس ــ خالد العوا
رابط دائم: