رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تلك الأيام
وفاء الزوجة أقوى من الـخليفة

من نوادر قصص الوفاء والحب فى التراث العربى تلك القصة التى حدثت لرجل من قبيلة بنى عذرة، تزوج بابنة عم له تدعى «ُسعدي» كان يحبها وتحبه، لكن أباها رفض هذا الزواج وأخذ ابنته إلى بيته.

وذهب الزوج إلى والى المدينة يشكو عمه ووالد زوجته، وكان والى المدينة هو مروان بن الحكم، سمع بجمال الزوجة فدعا أباها ودفع إليه عشرة آلاف درهم ليزوجه إياها، وبذلك يضمن له خلاصها من زوجها.

وسبق الزوج إلى مروان بن الحكم فطلب منه أن يطلقها، ورفض الزوج، فحمله إلى السجن وعذبه حتى لم يجد بدا من طلاقها مكرها، ولما استكملت عدتها تزوجها مروان والى المدينة، وأطلق سراح زوجها كما يروى ابن قتيبة فى عيون الأخبار .

خرج الزوج من السجن وتوجه من المدينة المنورة إلى دمشق قاطعا آلاف الأميال ليشكو ما حدث له ولزوجته إلى خليفة المسلمين معاوية بن أبى سفيان، واستطاع بعد شهور أن يصل إلى معاوية ويحكى له قصته، وهو يبكى مما فعله به أمير المدينة وعامله مروان بن الحكم.

ويقول :

سبانى سعدى وانبرى لخصومتي

وجار ولم يعدل وغاصبنى أهلي

فطلقتها من جهد ما قد أصابني

فهذا أمير المؤمنين من العدل؟

فرق له معاوية، وكتب إلى مروان كتابا طلب فيه أن يطلق (ُسعدي) وأرسله مع رسول خاص، وقرأ مروان الرسالة، وتردد فى طلاقها، لكن رسول معاوية ألح عليه وأزعجه فطلقها، وكتب إلى معاوية كتابا قال فيه:

احذر فإنك لو ابصرتها لجرت

منك الأمانى على تمثال إنسان

وسوف تأتيك شمس ليس بعدها

عند البرية من إنس ومن جان

حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت

أقول ذلك فى سر وإعلان

فلما قرأ معاوية الكتاب أمر بإحضار الزوجة، فإذا هى من أحسن الناس كلاما وأجملهم شكلا وجمالا، فقال لزوجها: يا أعرابى هذه (ُسعدي) لكن هل لك من أفضل منها؟

فقال الرجل: وقد أدرك ما يقصد: (نعم) إذا فرقت بين رأسى وجسدي.

فقال معاوية: أعوضك عنها ثلاث جوار أبكار، مع كل واحدة ألف دينار، وأجعل لك من بيت المال ما يكفيك فى كل عام.

فقال الرجل لمعاوية: استجرت بعدلك من جور عاملك، فعند من أستجير من جورك؟

فقال معاوية: أنت مقر بأنك طلقتها، ومروان مقر بأنه طلقها، ونحن نخيرها، فإن اختارتك أعدناها إليك بعقد جديد، وإن اختارت سواك زوجناه بها، ثم نظر إليها معاوية، وقال: ما تقولين يا (ُسعدي): أيهما أحب إليك أمير المؤمنين فى عزه وشرفه وسلطانه أم مروان بن الحكم فى عسفه وجوره أم هذا الأعرابى فى فقره وسوء حاله؟

فأنشدت تقول :

هذا وإن كان فى فقر وإضرار

أعز عندى من قومى ومن جاري

وصاحب التاج أو مروان عامله

وكل ذى درهم عندى ودينار

ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين، ما أنا بخاذلته لحادثة الزمان، ولا لقدرات الأيام، وإن لى معه صحبة لا تنسى ومحبة لا تبلي

فتعجب الحاضرون، وأمر معاوية أن يعقد لهما عقد جديد وأعطاهما ألف دينار.

فالوفاء والحب يذلان قوة الجبارين ويمنحان المحبين قوة لا يقدر عليها أحد مهما امتلك من مال وسلطان مادام الحب صادقًا.


لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز

رابط دائم: