رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إستراتيجية جديدة للبحر الأحمر

أحد اسس النجاح فى معترك السياسة والاقتصاد هو ان تعبئ كل ما لديك من موارد، وأن توظفها التوظيف الأمثل فى تحقيق هدفك. وفى ظل التحديات التى تجابهها مصر فى قضية مياه النيل، يصبح تطبيق هذا المبدأ من الأوليات الحالية. ولذا يثلج الصدر ما نراه من تحركات متتابعة تثبت دعائم الوجود المصرى فى دول حوض النيل، وأيضا فى منطقة البحر الأحمر.

ومنذ العصور القديمة، كانت مصر دائما مهتمة بأمن البحر الأحمر. فعملت منذ عهد الملكة حتشبسوت على اكتشافه، وارسلت لملك بلاد بونط (الصومال) الهدايا ورسل المحبة، وجلبت منه البخور والصمغ. وفى عهد المماليك، أرسل السلطان الغورى اسطولا كبيرا لمحاربة البرتغال عند سواحل الهند حماية لتجارة مصر مع الشرق. وفى العصر الحديث، ومنذ بداية حكم محمد على باشا اهتمت مصر بالحدود الجنوبية، وأرسلت الرحلات الاستكشافية، وتوسع إسماعيل باشا فى هذه الأنشطة الاستكشافية إلى منابع النيل وكلف أمين باشا (النمساوى الأصل) بفتح أوغندا بالنيابة عن التاج المصري. كذلك مدت مصر نفوذها إلى سواحل البحر الأحمر، وقامت بتطوير ميناء القصير المصرى كبوابة إلى بلاد الحجاز، وميناء سواكن على سواحل السودان. كذلك قامت بفرض نفوذها على مصوع (فى إريتريا، الآن)، وعلى زيلع (فى الصومال). وكان هذا متناسقا مع طموح مصر لتأكيد دورها الإقليمي، وحماية تجارتها مع الشرق.

وللأسف قام الاستعمار الغربى بالاستيلاء على الممتلكات المصرية فى البحر الأحمر. فورثت بريطانيا أوغندا، واحتلت إيطاليا ممتلكات مصر البحرية فى اريتريا والصومال، ومدت إثيوبيا نفوذها إلى أوجادن (الصومال الكبير)، وضمت اليها اريتريا بعد رحيل الطليان.

ولفترة طويلة فى عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك تناست مصر مصالحها فى البحر الأحمر، وكانت غائبة عن النزاع بين إريتريا واليمن على جزر حنيش عند مدخل البحر الأحمر الجنوبي، ولم تمد يدا منجزة فى حل ازمة الحرب الأهلية فى الصومال، ونظرت فى الاتجاه الآخر عندما قام القراصنة من الصومال بالهجوم على الملاحة الدولية فى خليج عدن وتجاه سواحل القرن الأفريقي، وتركت ذلك لأساطيل الدول العظمي.

والآن ونحن نعيش عصرا جديدا استعادت مصر فيه وجودها الأفريقي، منذ رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى للاتحاد الإفريقي، فقد حان الوقت لكى نراجع دورنا فى البحر الأحمر، ونحدد الأهداف التى نصبو اليها هناك، ونجمع ادواتنا لتحقيق تلك الأهداف.

ومما لاشك فيه ان الهدف الأول فى البحر الأحمر والدول المطلة عليه يجب أن يكون تحقيق السلم والتوصل إلى أعلى درجات التعاون بما يحقق رفاهية كل شعوب المنطقة. ولعل اول الأنشطة التى تتمتع بالأولية هو التعاون فى مجال الزراعة وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية. ومن المدهش ان هذين المجالين كانا فى مقدمة مقترحات الإدارة المصرية حتى فى عصر اسماعيل باشا فى القرن التاسع عشر حيث طلب من مديرى الأقاليم التى تقع فى ظل السيادة المصرية الاهتمام بالمياه والزراعة. ونحن نقرأ فى كتاب مهم للدكتور عبد العليم خلاف بعنوان: كشوف مصر الجغرافية فى عهد إسماعيل باشا، 1863- 1879، أن الحاكم المصرى فى مدينة سواكن عمل على بناء خزان ضخم يحجز مياه بعض مخرات السيول التى تتدفق إلى البحر الأحمر، وقام بنقل تلك المياه إلى المدينة فى مواسير من فخار. كذلك شجع حاكم مصوع السكان على الزراعة ووفر لهم البذور والأدوات الزراعية.. ونقترح ان تخلق مصر فرقا من الفنيين الزراعيين المؤهلين للعمل فى المناطق الاستوائية، وأن تقدم خبراتهم لدول ساحل البحر الأحمر وأولاها السودان. ومصر لديها فائض فى الزراعيين، وكذلك خبرة فى التدريب من خلال معاهد وزارة الزراعة المتعددة. ومن الممكن ان تكون المحاصيل التى نشجع زراعتها من السلع التى تفى باحتياجات باقى دول المنطقة مما يقوى التكامل بينها. أما المجال التالى للتعاون فهو فى مجال التعليم، وهو ايضا من المجالات التقليدية التى كان لمصر فيها أياد بيضاء. ومازالت أفريقيا عموما ودول القرن الأفريقى بالذات تفتقد إلى الأعداد الكافية من الأطباء والمهندسين. وعليه من المفيد زيادة المنح الدراسية لهذه الدول. أما المجال الثالث الذى يزيد من ترابط دول المنطقة فهو مجال المواصلات. ولقد سمعنا لسنوات طويلة عن مشروع لربط السكك الحديدية بين مصر والسودان. وكذلك نحن فى حاجة ماسة إلى خط ملاحى يربط موانى المنطقة.

ويجب ألا ننسى الشط الآخرمن البحر الأحمر، ويأتى إلى الذهن مباشرة اليمن، بعد انقضاء الحرب الدائرة هناك..واليمن كان دائما فى ذهن صانع القرار المصري، وساهمت مصر فى خلق اليمن الحديث بعد التخلص من حكم الإمام عن طريق التعليم والصحة والحكم المدني. والى جانب الحاجة إلى تعمير الموانى التى دمرتها الحروب، يحتاج اليمن إلى تطوير الزراعة التى تعانى الجفاف، والى إعادة بناء المدن والطرق والمستشفيات. ونتمنى ان تكون شركات المقاولات المصرية جاهزة بخطط الإعمار، ومدعومة بالتمويل المناسب من الدولة والبنوك المصرية.

وهكذا نتوقع فى الفترة القادمة سياسة مصرية نشيطة فى البحر الأحمر والقرن الإفريقى تتناسب مع أهمية هذه المنطقة، وما نأمله من تعاون وتكامل بينها.


لمزيد من مقالات ◀ د. على عبد العزيز سليمان

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق