رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وانتصر الشعب على مؤامرة الأشرار

لا يمكن لمنصف أيا كان أن ينكر حجم المصاعب التى تتعرض لها مصر فى الآونة الأخيرة أو يتجاهل آثارها على الاقتصاد المصري، فكل دول العالم بما فيها الأشد ثراء, مثل دول النفط تعانى عجزا ماليا كبيرا، اضطر بعضها إلى الاقتراض أو تأجيل مشروعات، وبعضها عدل من خططه الاقتصادية، وفرض ضرائب ثقيلة مست المواطنين من الموظفين إلى كبار رجال الأعمال، ومن لم يدفع من منطلق الوطنية والتقدير لبلده الذى جعله من كبار رجال الأعمال, فقد اضطر إلى الدفع بالقوانين ومراجعة مصادر الثروات، فالأزمة عنيفة وهزت أكبر اقتصادات العالم من الولايات المتحدة وأوروبا حتى اليابان والصين وكوريا، ومن أكبر الدول إلى أفقر دول العالم فى قلب إفريقيا ودول آسيا وأمريكا الجنوبية.

ولأن الأزمة عنيفة والشعوب قدرتها على التحمل محدودة, فقد ظهرت بعض علامات الغضب فى العديد من الدول، وأشدها عنفا واتساعا وقع فى دول أمريكا الجنوبية، فوباء كورونا شل الاقتصاد العالمى وجعل الإنتاج يتراجع بمعدلات خطيرة، والعلاج والصحة التهما نصيبا كبيرا من الموازنات المالية لكل الدول.

وعندما يأتى الشلل الاقتصادى مصحوبا بمعدلات إنفاق عالية مع اضطرابات سياسية واجتماعية, فإننا نصبح مع كارثة لم تنجح أقوى الدول فى مواجهتها. فالولايات المتحدة الأمريكية التى يصل ناتجها القومى إلى ما يقرب من 20 تريليون دولار، تراجع ناتجها إلى أقل من 16 تريليون دولار، والبطالة تضاعفت إلى حافة الخمسين مليون عاطل, يكلفون الدولة مبالغ باهظة، وشركات كثيرة أعلنت الإفلاس أو خفَّضت من أعداد العمالة وحجم الإنتاج، لأن هناك سبعة ملايين من المصابين، وأكثر منهم معرضون للإصابة حتى الدول التى استطاعت أن تنجو نسبيا من معدلات الإصابة الخطيرة بالجائحة, مثل الصين وكوريا وألمانيا واليابان لم تتمكن من تجنب الأزمة العنيفة، فإنتاجها لا يجد من يشتريه، لأن معظم الدول بين إفلاس وطلبات قروض وخفض فى الإنفاق، وأخرى على حافة الإفلاس التام. والأسوأ أن الأزمات العالمية لم تهدأ رغم الجائحة التى هبت على العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فلا توجد دولة ناجية من تلك الأزمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية التى لم يشهد لها العالم مثيلا.

نأتى إلى مصر ونتحدث بشفافية ووضوح عن أوضاعنا وكيف تصرفت قيادتنا السياسية مع هذا الخطر الجامح، فكانت البداية بمحاولة طمأنة الناس حتى لا يكون الذعر أداة هدم, وهو أكثر خطورة، فالشخص المذعور لا يمكن أن ينجو بنفسه ولا مساعدة المقربين منه، بل يصيبهم بعدوى الذعر، وقد رأينا دولا تهتز من مجرد شائعات حول اقتصادها أو عملتها أو أمنها، فماذا سيكون الحال لو سمحنا للذعر بأن يسيطر على قراراتنا؟.

قيادتنا السياسية ــ بفضل حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسى ــ أسرعت بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة، راعت التوازن بين الجهد الممكن لمواجهة الجائحة, دون أن نصل إلى حد الذعر الذى يمكن أن تكون آثاره ونتائجه أكثر تخريبا من الوباء نفسه. وبدأت عمليات الوقاية والعلاج تتم بخطوات هادئة ومدروسة, بالتعاون مع باقى دول العالم ومنظمة الصحة العالمية، وتبادل المعلومات حول جائحة لا يعرف العلماء فى أكبر المختبرات العالمية عنها شيئا، لدرجة خروج تعليمات وبيانات متضاربة حول الأعراض والآثار الجانبية.

لا يمكن إنكار الجهد الذى بذلته الدولة فى مواجهة هذا الوباء الخطير، لكنها كانت لا تبالغ فى تسليط الضوء على جهودها، حتى تتجنب إثارة الرعب، فكانت توفر الأدوية، وتقلل من الزحام، وتخفض أعداد العاملين فى الكثير من الشركات الصناعية والخدمية، وهو ما لمسناه جميعا، لولا بعض التجاوزات الناجمة عن قلة وعى بعض المواطنين، أو عدم تقديرهم حجم المخاطر.

أما الآثار الاقتصادية لهذه الجائحة فلم تكن أقل خطورة، فالقطاعات المتأثرة بالجائحة كانت ضخمة للغاية، ولا أبالغ إذا قلت إنها كانت أفدح مما تصور كثيرون، فلم تقتصر على قطاعات إنتاجية وخدمية توقفت كليا أو جزئيا، مع خفض ساعات العمل، بل تم حظر التجول فى بعض الأوقات والمناطق لفترات طويلة، بل جاء التأثير الأكبر من عوامل إضافية، أهمها أن عوائد المصريين العاملين فى الخارج تراجعت بشدة، فهؤلاء كانوا يعانون مرارة البطالة والغربة عن الوطن، ويحتاجون إلى تكاليف كبيرة فى الوقاية والعلاج، مما أثر على تلك العوائد التى هى من أهم أعمدة الاقتصاد المصرى.

أما الضربة الأقوى فكانت للسياحة وفى مقتل، فشركات الطيران توقفت، وجرى منع التنقل بين معظم الدول، حتى الحالات الطارئة كان يجرى احتجازها فى الحجر الصحى بأنواعه ودرجاته، ولا يمكن تصور إمكان تشغيل السياحة فى ظل تلك الظروف، وهذا لم يخص مصر وحدها، بل كل البلدان المعتمدة على السياحة بمعدلات تفوق مصر بكثير، وهناك دول لولا تدفق مساعدات ضخمة وعاجلة إليها, لظلت عاجزة عن تسيير أمورها.

وبدأت بعض العمالة فى العودة من البلدان التى ضربتها الجائحة بقوة، منها دول الخليج وأوروبا الغربية وغيرها، لتزداد الأزمة صعوبة، ومع كل هذه العوامل ظلت مصر واقفة على قدميها بثبات, بفضل الكثير من القطاعات, وفى مقدمتها القوات المسلحة التى لا يخفى على أحد ما تفعله وتقدمه فى مختلف المجالات الإنتاجية والصحية، وكان أطباؤها كتفا بكتف مع أطباء مصر وأطقم تمريضها كذلك، يسعون إلى توفير كل ما يمكن تقديمه من أدوية وخدمات ومراكز صحية وعلاجية.

فى ظل هذه الأزمة التى لم تتمكن الدول العظمى من التغلب عليها وعانت شعوبها وخرجت فى مظاهرات واضطرابات، كان الشعب المصرى يعيش حياة شبه طبيعية. ورغم أن الأزمة قوية وغير مسبوقة فى العالم كله، وكان علينا أن نبحث عن مصادر تمويل والتقليل من الاقتراض، هنا كانت أمام قيادتنا السياسية عدة سبل، منها رفع أسعار الأغذية والأدوية والمعدات الطبية، وهو خيار تم رفضه لأنه سيؤثر على قطاع كبير من الشعب، أو زيادة الضرائب على رجال الصناعة ومختلف الأعمال فى توقيت يعانون فيه خسائر كبيرة, ستضطرهم إلى الاستغناء عن أعداد أكبر من العاملين، ويمكن أن يصل الأمر إلى الإغلاق التام لشركاتهم.

كانت البدائل كلها سيئة، وتزيد من شدة الأزمة، فى الوقت الذى كانت فيه إثيوبيا تستغل الأوضاع وتحاول تثبيت أمر واقع يلحق الضرر بحقوقنا فى المياه. وكان ملف الاعتداء على الأراضى الزراعية قد تضخم بشكل خطير يهدد أكبر ثروة تركها لنا أجدادنا من أكثر الأراضى خصوبة فى العالم، وتشكلت من طبقات طمى متراكمة عبر آلاف السنين، ونحن نبورها ونبدد مصدر أرزاقنا وطعامنا اليومى. كان لابد من فتح هذا الملف الذى يضم نحو نصف مساكن مصر المبنية دون تخطيط أو ترخيص، وتحولت إلى مصدر نهب منظم، وكان لابد من مواجهة هذا الخطر.

استغلت جماعة الأشرار قرار هدم المبانى المخالفة تطبيقا للقانون، ووجدته فرصة للتهييج وإثارة الفزع، فنصف مساكن مصر تقريبا بلا تراخيص مكتملة، فكثفوا من حملاتهم بصور وفيديوهات وحملات دعائية من الواضح أنها كانت تتلقى دعما كبيرا، لبث الشائعات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى ونشر صور معدات الهدم التى تتكرر فى قنواتهم، وتعطى شعورا زائفا بأن مصر كلها تتعرض للهدم، رغم أن عدد المساكن التى تم تنفيذ هدمها لا يزيد على العشرات، ومع ذلك واصلت تلك الجماعة والدول الداعمة لها حملات تهييج فى ظل تلك الأزمة، وراحت تثير جموع السكان، ورغم تجمع كل تلك الأزمات فى توقيت واحد فإن الجماعة فشلت فى مكيدتها، واضطرت إلى بث مقاطع من مظاهرات قديمة تعود إلى الفترة ما بين 2011 و4 201 ،وتدعى أنها منتشرة فى جميع أنحاء مصر، وتدعو الشعب إلى أعمال تخريب واضطرابات.

وبرغم كل ذلك فشلت كل جهود تلك الجماعة والدول المحركة لها، وهو ما يؤكد أن الشعب المصرى يتمتع بوعى شديد، ويدرك حجم الأزمة، ويثق فى قيادته السياسية، وفى المقابل فإن إدراكه بما يحاك له لإغراقه فى دائرة الفوضى جعله لا ينساق وراء تلك الجماعة التى لا تجلب سوى الخراب، ويدرك أن مصر تخطو بنجاح نحو تجاوز الأزمة، وأنها فى الطريق الصحيح نحو البناء والتنمية.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: