المرأة التى تتزوج أكثر من مرة فى مجتمعاتنا ينظر الناس إليها شزرا ويتندرون عليها، وهذا من عجائب مجتمعات تدعى أنها حديثة ومتقدمة، بينما فى الماضى كانت المرأة الشريفة تتزوج مرة واثنتين، وأكثر من أفاضل الرجال دون أن يثير ذلك فضول المجتمع الذى كان ذلك الوقت بدائيا كما نقول.
وقد نندهش الآن إذا علمنا أن سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب، وكانت من أجمل جميلات عصرها، تزوجت ابن عمها عبد الله بن الحسن، ولما مات تزوجها ابن خالتها مصعب بن الزبير بن العوام، ولما قتل خطبها عبد الملك بن مروان، فلم تقبله.
فعبد الملك هو الذى أرسل الحجاج بين يوسف الثقفى لحصار ابن خالها وشقيق زوجها عبد الله بن الزبير فى الحرم وقتله، وتزوجها عبد الله بن حكيم بن عثمان بن حزام، ومات فتزوجها الأصبع بين الزبير بن مروان ثم طلقها، فتزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان وطلقها، وتزوجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
أى أنها تزوجت ست مرات وطلقت مرتين دون أن يكون الأمر مثار تندر أو ينظر عليه كشيء خارج المألوف، وإلا ما فعلته، وهى ابنة الحسين ابن على وحفيدة الرسول صلى الله إليه وسلم.
ويذكر الدكتور عبد السلام الترمانينى صاحب كتاب الزواج عند العرب فى الجاهلية والإسلام عددا من سيدات البيوتات العريقة اللائى تزوجن مرات عديدة من أشراف الرجال، وأطلق عليهن المردفات أى التى تتزوج واحدا بعد آخر، فسميت مردفة، ومنهن أم كلثوم بنت على بن أبى طالب التى تزوجت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ولما مات، تزوجت ابن عمها عون بن جعفر بن أبى طالب، ولما مات تزوجها أخوه محمد، ولما مات تزوجها أخوه عبد الملك بن جعفر.
وكذلك عاتكة بنت زيد بن نفيل التى تزوجت عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، ولما قتل، تزوجها عبد الله بن أبى بكر الصديق، ولما مات، تزوجها عمر بن الخطاب وطلقها، فتزوجها الزبير بن العوام، ولما قتل، تزوجها محمد بن أبى بكر الصديق ولما قتل، تزوجها عمرو بن العاص.
وهناك الشقيقتان عائشة بنت طلحة بن عبيد الله وأم اسحاق، وكانتا آية من آيات عصرهما جمالا.. وكانت أم إسحاق لشدة جمالها لا تقف بجانبها امرأة إلا بدت قبيحة بالنسبة لها لدرجة أن النساء كن يتحاشين الوقوف بجانبها، تزوجت عائشة من عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وطلقها، فتزوجها مصعب بن الزبير، وكان واليا على العراق، وجمع بينها وبين سكينة بنت الحسين، وكان صداق زواجه منها خمسائة ألف درهم، وأهدى إليها مثلها، مما أثار حفيظة الشاعر أنسى بن زنيم فقال: بضع الفتاة بألف ألف كامل
وتبيت سادات الجنود جياعا
لو لأبى حفص أقول مقالتى
وابثه ما قد أرى لارتاعا
وعندما قتل مصعب تزوجت عبد الله بن معمر التميمى أما شقيقتها أم إسحاق فتزوجت الحسن بن على بن أبى طالب، ولما مات تزوجها أخوه الحسين، ولما قتل، تزوجها تمام بن عباس بن عبد المطلب ولما مات، تزوجها عبد الله بن محمد بن أبى بكر الصديق.
ومن النساء اللاتى تزوجن كثيرا أيضا ميمونة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق: تزوجت عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك ولما مات، تزوجت محمد بن الوليد ثم تزوجها الخليفة سليمان بن عبد الملك ثم الخليفة هشام بن عبد الملك.
وكذلك أم سلمة بنت يعقوب المخزومية التى تزوجت الوليد بن عبد الملك بين مروان، فلما مات، تزوجها اخوه هشام بن عبد الملك، ثم تزوجها عبد الله بن محمد بن على العباس المعروف بالسفاح، وتزوجها بعد موته، على بن عبد الله بن العباس، وبذلك تكون أم سلمة تزوجت من خلفاء امويين وعباسيين أيضا، فبعد أن تزوجت الوليد وهشام الأمويين تزوجت السفاح العباسى الذى قضى على الخلافة الأموية!.
ومثلما يتعجب أو يندهش البعض منا الآن ـ لا أعرف لماذا ـ من السيدة التى تتزوج كثيرا، حدثت الدهشة منذ أيام الجاحظ الذى كتب متعجبا من تغير نظرة المجتمع تجاه المرأة التى تتزوج كثيرا، قائلا: كانوا لا يرون بأسا فما أن تنتقل المرأة إلى عدة أزواج، لا ينقلها عن ذلك إلا الموت مادام الرجال يريدونها، وهم الآن يكرهون هذا، ويعافون المرأة الحرة إذا كانت نكحت زوجا واحدا، ويلزمون من خطبها العار، ويلحقون به اللوم، ويعيرونها بذلك، ويفضلون الأمة، وقد تداولها من لا يحصى عدده من الموالي، فمن حسن هذا فى الإماء، وقبحه فى الحرائر؟!،
يطرح سؤال الحاحظ سؤلا آخر هل المجتمعات كلما تقدمت أصبحت أكثر تسامحا أم أكثر تشددا؟!.
فنحن فى الحقيقة فى حاجة إلى تفكيك منظومة الأفكار البالية التى تسيطر على عقولنا، ومنها النظر إلى المرأة التى تتزوج كثيرا وكأنها ترتكب خطأ أو فاحشة!.
يجب أن تفكك القيود التى نضعها كل يوم حول أعناقنا حتى تحرر الأسرة والأم والزوجة والأخت، ويكون للمرأة حقها فى أن تعيش الحياة التى تريد مع من تريد فى أى وقت تريد مادامت لا تفعل شيئا يغضب الله، مع ملاحظة أننا نتحدث عن الزواج يا سادة لا عن شيء آخر.. ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.
لمزيد من مقالات محسن عبدالعزيز رابط دائم: