رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مفكر سياسى

د. مصطفى الفقى

تراشق اثنان من الفلاسفة المصريين حول قضية بذاتها، فقال أحدهما للآخر: إنك تعبر عن فلسفة الفقر، فرد عليه زميله قائلًا: بل إنك أنت الذى تمثل فقر الفلسفة، فالفيلسوف لا يكون كذلك إلا إذا قطع مرحلة من الحوار الفكرى مع الذات ومع الغير أيضًا حتى تتبلور لديه نظرية فكرية واضحة، تسمح لنا بأن نشير إلى صاحبها باسم الفيلسوف، وهى تسمية لو تعلمون عظيمة، فعندما قال عميد الأدب العربى طه حسين فور انتهائه من مناقشة رسالة الدكتوراه للفيلسوف المصرى الكبير عبد الرحمن بدوي: إننا نشهد ميلاد فيلسوف عربى كبير أظن أن الأمر ينسحب أيضًا على رجل بقيمة وقدر صاحب (الوضعية المنطقية) زكى نجيب محمود الذى حاولت شخصيًا التواصل فكريًا وثقافيًا معه فى نهاية سبعينيات القرن الماضى إلى أن همس فى أذنى الكاتب الكبير صلاح منتصر قائلًا: إن زكى نجيب محمود قد ضعف بصره ولم يعد قادرًا على القراءة التى تسمح له بحوار طويل.

وعندما كتب د. فؤاد زكريا مقاله الشهير(دهاء التاريخ) فإنه كان يؤكد بذلك أن الفلسفة ليست عزلة عن الواقع، بل إن الأمر يحتاج إلى استقراء أمين لصفحات التاريخ مع فهم موضوعى محايد للأحداث وتقييم عادل للشخوص وأدوارها فى المراحل المختلفة، وعندما قرأت كتاب زكى نجيب محمود (تجديد الفكر العربي) أيقنت أن الرجل معنيٌّ بقضايا العروبة الثقافية وهموم الأمة الفكرية، وعلى نسق ما كتب– مع الفارق الكبير بيننا– كتبت فى مطلع تسعينيات القرن الماضى كتابى (تجديد الفكر القومي) لأننى أردت أن يكون شاملًا لمفهوم النظرية القومية دون تركيز على القومية العربية وحدها، وخلصت وقتها إلى أنه فى مقدورنا أن نركز على العامل الثقافى والإطار الفكرى لمفهوم الأمة عندما نريد التحدث عن القومية بمعناها العريض وفى إطارها الواسع. وإذ نكتب اليوم عن زكى نجيب فيلسوفًا سياسيًا فإننا ندرك أن تأثيره فى الأجيال التى جاءت بعده لا يختلف عليه اثنان، فزكى نجيب علامة للفلسفة المصرية المعاصرة نظريًا وتطبيقيًا، فضلًا عما أثرى به المكتبة الفلسفية فى كل أطوار حياته، فقد ضرب فى كثير من المعارف بسهم مؤثر، وتلك هى سمة الفيلسوف الحقيقى، لأن الفلسفة ــ كما نعرف ــ هى أم العلوم. وظنى أن زكى نجيب قد أعطانا (مسطرة) يمكن القياس بها عند محاولة التصدى لدراسة ظاهرة سياسية معينة، كما كان إيمانه بالحرية واضحًا، وإذا كان فيلسوف مثل فؤاد زكريا قد صرف جل وقته فى تحليل الظواهر التاريخية وفهم أبعادها وتقويم أطوارها؛ فإننا نجد على الطرف الآخر فيلسوفًا كبيرًا هو زكى نجيب انصرف إلى التنقيب فى التراث، ولكنه لم يستغرق فى تفاصيله حتى تضيع توجهاته وتختفى أطروحاته. لقد كان زكى نجيب بحق فيلسوفًا عصريًا انفتح على الفكرين العربى والغربى فى وقت واحد، وكان جزءًا لا يتجزأ من دورة الاستنارة التى عرفها المصريون فى النصف الثانى من القرن العشرين..وكان بما قدم من فكر، وما وضع من فلسفة، وما نشر من ثقافة، نموذجًا يستحق الاحترام ويدعونا إلى الإشادة به فى ذكراه مهما اختلفت مشاربنا الفكرية، ومدارسنا العلمية، وتوجهاتنا السياسية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق