رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

التوجه إلى الريف

إنها المرة الثانية التي أستمع فيها إلى مسئول حكومي يذكر عبارة التوابع الريفية. كانت المرة الأولى عام 2005 في اجتماع حضرته جمع بيني وبين مسئولين حكوميين هما الراحلان د. عبد الرحيم شحاتة الذي عرفته في البداية كمحافظ للفيوم ثم للجيزة ثم للقاهرة ثم كوزير للحكم المحلي ومعه كان الدكتور أحمد جويلي الذي عرفته في البداية كأستاذ في كلية الزراعة جامعة الزقازيق ثم كمحافظ لدمياط ثم للإسماعيلية ثم وزير للتموين. أقول للمرة الثانية، كانت في الكلمة التي ألقاها الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء في مؤتمر افتتاح عدد من المشروعات في منطقة الإسكندرية وهو المؤتمر الذي حضره الرئيس عبد الفتاح السيسي وكان الفارق الأساسي بين المرتين الثانية والأولي أن الدكتور مصطفي مدبولي ذكر أن عدد التوابع الريفية بلغ 32 الف تابع في حين كان عددها في حديث د.عبدالرحيم شحاتة وزير الحكم المحلي 23 الف تابع. فالفارق بات 9 آلاف تابع ما بين عزبة وكفر ونجع في تسع سنوات. والتوابع وهي كيانات ريفية تنشأ على أرض زراعية تحيط بالقرى الاساسية . كما انها كيانات فقيرة أعتبرها انا شخصيا كعشوائيات الحضر ولكنها تقام على أرض زراعية دون ترخيص ويعيش سكانها على الكفاف. ولم تكن هذه التوابع السبب الوحيد في تبوير وضياع 40 الف فدان سنويا وإنما تزامن تواجد ونمو التوابع مع النمو الاشعاعي للقرى المصرية نتيجة لزحف المساكن على الارض الزراعية.

ويجب أن أذكر ان علاقتي بالريف لم تنشأ بسبب المولد. فأنا بنت الحضر ولكن تربطني بالريف علاقة خلقتها مهنتي منذ عام 1953 ثم دعمها عملي كعضو في المجلس القومي للمرأة لعشر سنوات عرفت فيها محافظات ومراكز وعددا جيدا من قرى مصر. في بداية العقد الستيني اختلف الريف المصري عن ريف العقد السبعيني وعما هو عليه الآن. لقد دخلت عليه التغييرات بدءا من حقبة النفط وما بعدها من تأثيرات إقليمية وعالمية. ولا نبالغ اذا قلنا عالمية لأن العلاقات الرأسمالية العالمية اثرت في كل القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الزراعى المتمركز في الريف. لقد تغيرت القيم العامة لسكان الريف ولم يعودوا يفكرون كما كانوا يفكرون في الماضي. لم يعد العمل القيمة العليا ولا الارض هي العرض والشرف ولا التمسك بالقرية وعدم مغادرتها هي الحياة كلها. لذا لابد ان نفهم مشاكلهم في اطارها الحالي ونضع معهم حلولها حتى نضمن استمرارها وتواصلها بما يوصلنا الى هدفنا الامثل وهو الحفاظ على الارض الزراعية مع الحفاظ على حقوق الريفيين في الحياة الجيدة.

وفي حقيقة الأمر كانت مساحات وحدود القرى المصرية جزءا من هموم البعض القليل من حكامنا القدامى وأشهرهم كان الوالي محمد على الذي حاول تحديد كردون لكل قرية بحيث لا يجور الاسكان على الزراعة وكان يعاقب كل فلاح يخرق الكردون ويمتد الى الارض الزراعية. ولكننا تاريخيا لم نقرأ، أو الأصح لم أقرأ شخصيا كتابات لاهتمام حاكم آخر بهذه المشكلة إلى ان تمت إثارتها في مؤتمر مشروعات الاسكندرية كمشكلة يصعب الوصول بالخدمات لها لكثرتها وبعثرتها. وعادة ما تلغي المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية عبارة التوابع وتسمي كل تجمع ريفي بكلمة القرية حتى تعطي أهمية لنشاطها وعملها سواء كان رسميا او طوعيا. فكم من توابع تضم اربعة او خمسة الاف نسمة في حين اننا نعرف قرى في الدلتا وفي الصعيد تستوعب عشرات الآلاف من البشر في حين انكمشت زراعتهم الى حدود المئات القليلة من الافدنة. بما يعني بكل بساطة انفجار سكاني في مقابل انكماش اقتصاد القرية نتيجة لتبوير الارض الزراعية للبناء عليها. وفي هذا الشأن لا يمكننا إلقاء كل اللوم على الحائز للأرض سواء كان مالكا او مستأجرا وحده.

فإذا عرفنا ان 83% من الحيازات الزراعية تقل عن الفدان وان حيازة الأقل من فدان هي العدد السائد وأن هذه المساحة من الارض لا تفي باحتياجات الأسرة الريفية فإننا يمكن استنتاج، بمفهوم الإنسان الريفي البسيط، ان اربعة او خمسة قراريط لن تعني للمزارع كثيرا في مقابل جلب الستر لأبنائه الشباب الساعين للزواج ويحتاجون لسكن. كما اننا لابد من ملاحظة ان الريف لايزال يستوعب الأسرة الممتدة كخلية للمجتمع. لقد درس العديد من علماء الاجتماع تأثيرات حقبة النفط والهجرة المؤقتة لبلدان منابع النفط على الاسرة الممتدة في الريف المكونة من عدة اسر تعيش تحت سقف واحد وأوضحوا كيف تأثرت بحيث بدأ الريف يعرف الأسرة النووية المكونة من زوج وزوجة وابناء ولكن مع استمرار فكرة الاسرة الممتدة تسيطر على المفاهيم العامة. لم تعد الفلسفة الاجتماعية الريفية القديمة هي المتحكمة في العقل الريفي بعد كل التغييرات الاقتصادية الاجتماعية التي شهدتها الانسانية بشكل عام. ويمكن ملاحظة البعض من هذه التغييرات بالعين المجردة لحظة دخولنا مشارف اى قرية ورؤية المنازل الأسمنتية وفي احيان العالية لعدة أدوار والتي تستوعب اسرا ريفية لم تعد تعيش على الانتاج الزراعي وانما يتحرك عائلها يوميا الى البندر للعمل. أما الارض الزراعية التي كانت تحيط بالقرية في القديم فباتت تعرف في روايات الآباء وخيال الأمهات ولم تعد مصدرا للعمل لسبب بسيط وهو ان هذه المساحات الزراعية الهائلة لم تعد موجودة.

ومع ذلك أوجدت التغييرات الكبيرة نقاط قوة يمكن توظيفها منها ان هذه القرية بتوابعها لم تعد طاردة لكل شبابها. يسافر البعض للخارج ويعمل البعض في البندر ويستمر البعض في القرية حاملا افكارا لتطويرها وعلاج أخطائها واخطاء الحكومات قديمها وحديثها. وهو ما نناقشه في المقال القادم.


لمزيد من مقالات أمينة شفيق

رابط دائم: