رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاعتداء عليه إفساد فى الارض..
«المال العام».. ركيزة لنهضة الشعوب

تحقيق ــ حسـنى كمـال

العلماء: الحفاظ على حقوق الدولة أولوية دينية ومسئولية وطنية

الإسلام وازن بين الملكية الفردية والعامة .. وحرم أكل مال الغير

 

يخطئ كثير من الناس حينما يتعاملون مع المال العام على أنه كلأ مباح، يأخذون منه بلا حساب ولا رادع، وكأنه مال لا صاحب له، فأصبحنا نرى من يستحل هذا المال ويضع لنفسه ما شاء من المبررات للسيطرة عليه، دون وخزة من ضمير!. والواقع المشاهد يعج بالكثير من الشواهد على ذلك، ولعل ما شهدته الفترة الأخيرة من موجات التعدى على أملاك الدولة تجسد هذا الواقع المؤلم، وهو ما تتصدى له الدولة حاليا بكل جدية وحزم، لاسترداد حق الشعب فى أراضيه وأمواله المنهوبة وتوقيع العقوبات الرادعة على المخالفين.

علماء الدين ـ من جانبهم ـ طالبوا بمساندة الدولة فى التصدى للفساد بكل صوره، والحفاظ على مقدراتها وحقوقها، وشددوا على ضرورة تنظيم حملات توعية موسعة بخطورة وحرمة الاعتداء على المال العام، مع تغليظ العقوبات على المخالفين دون استثناء أو تجاوز، وأكدوا أن الاعتداء على المال العام إفساد فى الأرض وهو أشد حرمة من الاعتداء على المال الخاص، لأن الاعتداء على المال الخاص يمثل اعتداء على فرد، أما الاعتداء على المال العام فهو اعتداء على جميع الأمة.

يقول الدكتور عبدالغنى الغريب طه، رئيس قسم العقيدة والفلسفة، بجامعة الأزهر، إن المال ضرورة من ضروريات الحياة، والمال نوعان: خاص، وعام، فالمال الخاص: هو الذى يملكه الشخص، ومن ثم جاز التصرف فيه بأصالة، أو وكالة، أو ولاية... أما المال العام: فهو ما كان مخصصا لمصلحة عموم المسلمين ومنافعهم، والمال العام تعود ملكيته للأمة جمعاء، وليس لأحد بعينه، ويشمل الأموال المنقولة وغير المنقولة، ويدخل فيها مرافق الدولة وما تمتلكه الدولة نيابة عن شعبها، والمعتدى على أى شيء من هذا القبيل آثم شرعا.  ذلك أن المال العام ركيزة أساسية من ركائز نهضة ونمو أى شعب من الشعوب، وحفظ المال العام مسئولية وطنية وأولوية دينية وقيمة أخلاقية تظهر رقى الشعب وتقدمه.

 صور متعددة 

ويضيف د. الغريب، أن للاعتداء على المال العام صوراً كثيرة، منها: إهمال مقدرات الدولة وإساءة التعامل معها، التهرب من الضرائب ومن مقابل المرافق والخدمات العامة كالمياه والكهرباء والطرق، ومن ذلك أيضا تقصير موظف فى أداء عمله، أو استغلاله عمله فى تحقيق مكاسب شخصية، أو استيلاؤه على مال أو منفعة من العمل دون وجه حق، ومنه أيضا: التربح من الوظيفة، والسرقة، والغش، والرشوة، والاختلاس، وغيرها.

وذلك كله مرده الجهل وضعف العقيدة، وعدم مراقبة الله عز وجل، واتباع الأهواء.

الشرف والطهارة 

فى سياق متصل يوضح الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بأسيوط، أن الإسلام حث أتباعه على أن يكون المجتمع مبنيا على الطهارة والشرف، لذلك حرم الاعتداء على المال العام، وكذلك المال الخاص، بكل صورة من الصور، حيث حرم أكل مال الغير، أو مال الدولة بغير حق، حتى ولو كان بسيف الحياء.

ويقول: يندرج فى حرمة المال العام، ما يأخذه أصحاب المناصب والجاه، دون وجه حق، حتى ولو كان موافقا للقوانين الوضعية، والأصل فى ذلك ما ورد فى حديث أبى حميد الساعدي، رضى الله عنه، (قال: استعمل النبى، صلى الله عليه وسلم، رجلا من الأزد على الصدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى لي. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدى لى أفلا قعد فى بيت أبيه أو فى بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ،والذى نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت مرتين». وكثيرا ما حذر النبي، صلى الله عليه وسلم من الاستيلاء على المال العام، فقال «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقا، فما أخذه بعد ذلك، فهو غلول»، وقال أيضا، صلى الله عليه وسلم: (إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة).

ويرفض د.مختار مرزوق الحجج التى يرددها بعض الناس ليحللوا الاعتداء على مال الدولة، دون وجه حق، كأن يقول أحدهم: (أنا رجل مظلوم فى راتبى ولا أحصل على حقوقى من المؤسسة) مؤكدا أن هذا مال حرام شرعا، مدللا بحديث النبي، صلى الله عليه وسلم،: (أدوا الذى عليكم، وسلوا الله الذى لكم)، ومعنى الحديث، أن يؤدى الإنسان الذى عليه من الواجب، وأن يسأل الله عز وجل أن يوفيه حقه، فلا يحق له أن يأخذ من المال بغير حق، أو يقصر فى عمله، على حد قول بعض الجهلاء (على قدر أموالهم)، وكل ذلك حرام وإفساد فى الأرض. 

ويتابع: من صور الاستيلاء على المال العام، وكذلك الخاص، ما يعرف بالاستيلاء على أرض الغير، سواء كانت مملوكة للدولة أو للأفراد،وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم، من هؤلاء، قائلا: (من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة بسبع أرضين)لذا فعلى الإنسان أن يتحرى الحلال، وأن يمتنع عن الحرام، بكل صورة من الصور، حتى ولو كان من باب الشبهات، قال صلى الله عليه وسلم،:« كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به» رواه الطبراني، وهو حديث صحيح، فالمؤمن الحق عليه أن يجتنب الشبهات، لقوله صلى الله عليه وسلم:« الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه». 

ويواصل الواجب علينا حماية هذا المال العام، والتأسى بالصحابة والخلفاء والتابعين فى تعففهم عن المال العام، ورحم الله عمر بن عبدالعزيز الذى كان ينظر فى أمور الرعية على ضوء مصباح فى بيته، فلما انتهى وبدأ النظر فى أموره الخاصة أطفأ المصباح حتى لا يستعمل مال المسلمين فى غير مصلحتهم.

وللتصدى للفساد والعدوان على المال العام يطالب د. مرزوق، بتغليظ العقوبات، وأن يكون الجميع سواء أمام القانون، كما طالب بالدقة فى اختيار القيادات على أمرين: الطهارة أولا، والخبرة ثانيا، ولا يغنى أحدهما عن الآخر، فلا خير فى طاهر اليد قليل الخبرة والكفاءة الذى يكون سببا لضياع المال العام، كما أنه لا خير فى خبير، تعود أن يأكل الحرام، وهو فاسد معروف بفساده،.من جانبه، يقول الدكتور عبدالوارث عثمان ـ أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الإسلام رسم الخطوط العامة الفاصلة بين الملكية الفردية والملكية العامة فى توازن محكم حكيم، بحيث لا تطغى إحداهما على الأخري... وأكد حرمة إهدار المال العام، أو استغلاله دون وجه حق، وعدَّ المعتدى عليه محاربا لله ورسوله، يقول الله  تعالي: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)، وأن الله لا يحب المفسدين، وفى قوله: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، وقد ضرب النبى أعظم الأمثال فى حرمة المال العام وحث أصحاب الوظائف العامة على احترامه وصونه والاحتراز من شبهة الخلط بينه وبين المال الخاص، ومن هذا المنطلق تضافرت جهود علماء الإسلام إلى الفحص والتمحيص والدراسات الواسعة المتأنية الجادة فيما يتعلق بالمال العام  وحمايته من عبث العابثين، حتى قالوا بحرمة الصلاة فى المسجد الذى بنى على أرض مغتصبة والحفاظ على المنافع العامة، والممتلكات الجماعية التى تمتلكها الدولة لتجمع شتات مصالح الأفراد وتنازعهم عليها.

ويشير إلى أن إيذاء الفرد للجماعة عندما يغتصب أرض الدولة، إثم مبين واعتداء على الناس جميعا وحرمانهم من منفعة جماعية.. وهذا الإثم المبين، لا ينكره عاقل ولا صاحب فطرة سوية، وانظر إلى الإمام على قبيل توليه الخلافة، و قد أصبح أميرا للمؤمنين: (يدخل عليه عقيل بن أبى طالب رضى الله عنه فيقول يا أمير المؤمنين ائذن لى بمال آخذه من بيت مال المسلمين، وقد أراد على كرم الله وجهه أن يربيه ويعلمه كيف يحترم المال العام ولا يقربه مهما تكن الظروف.. فقال على بن أبى طالب لأخيه عقيل: تعال ليلا ولك ما تريد ..فلما حضر إليه أوقد أمير المؤمنين النار على المال، حتى أحماها وجلس فى غرفة مظلمة وانتظر حتى دخل عليه أخوه عقيل، فقال:  يا علي: أين المال.. فقال علي: مد يدك يا عقيل فخذها... فلما فعل احترقت يده وصرخ، وقال: يا على أتريد أن تحرقني.. فقال على رضى الله عنه: يا أخى إن كنت قد احترقت من نار الدنيا وصرخت منها، فكيف بنا إذا جاء الله بنا يوم القيامة وألقى بنا فى النار) وهذه التربية العظيمة التى ترباها على إنما كانت من هدايات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاده، وكذلك كان بقية الصحابة يحترمون المال العام وممتلكات الجماعة ومنافعها العامة ويتعبدون بهذا النهج لله رب العالمين الذى قال فى محكم التنزيل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). 

ويختتم مؤكدا أن المعتدين على المال العام أعداء لأنفسهم قبل أن يكونوا أعداء للأمة، لأن المال العام من أسباب قوة البلاد، والذى يفسد هذا المال، أو يسيء استخدامه، فقد أساء للأمة وسبب لها الضرر.. ومن الواجب حراسة المال العام وصونه من الضياع وإفساد المفسدين العابثين بأقوات الشعب وأموالهم التى اؤتمنوا عليها.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق