رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تقارب مصر والعراق والأردن .. نظرة واقعية

على نار هادئة وبخطوات محسوبة يتبلور التقارب المصرى- الأردنى-العراقى، وفِى هذا الإطار استضافت العاصمة الأردنية عمّان قمة ثلاثية جمعت بين كل من الرئيس عبد الفتاح السيسى والملك عبد الله الثانى ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وتعد هذه القمة هى الثالثة التى تعقد على هذا المستوى بعد قمتين أخريين فى عام 2019، تمت أولاهما فى القاهرة بينما عُقدت الثانية فى نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تتوافر لهذا التقارب أسسه الاقتصادية من خلال شبكة كبيرة من المصالح التى تربط الدول الثلاث وتشمل مجالات عديدة كالتجارة والاستثمار والطاقة والكهرباء والعمالة وإعادة إعمار العراق والسياحة..إلخ، كما تتوافر له أسسه السياسية من خلال الرؤى المشتركة لعدد من أبرز قضايا المنطقة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية والإرهاب والاستقطاب الأمريكى - الإيراني، وعلى الرغم من أن العراق هو الأكثر معاناة من هذا الاستقطاب لأسباب مفهومة وعلى الرغم من إدراك مصر والأردن خطورة المشروع التوسعى الإيرانى فإنهما لا يشجعان هذا الاستقطاب لاسيما أن إيران ليست وحدها الراغبة فى التوسع، فهناك إسرائيل بالطبع، كما أن هناك تركيا، فالاختراق الإقليمى متعدد الجبهات. تلك إذن هى الخلفية التى يسرت تلاقى الأطراف الثلاثة، وساعد على ذلك أن العراق بدأ يلتفت إلى محيطه العربى منذ عهد حيدر العبادى وتأكد ذلك بشكل أوضح فى ظل مصطفى الكاظمي، ومن الأمور الرمزية لكن الدالة فى الوقت نفسه أنه بعد المعركة الكبيرة التى دارت حول عروبة العراق عند وضع دستور عام 2005 فوجئنا بعزف موسيقى نشيد الوطن الأكبر فى أثناء زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون العراق قبل بضعة أيام، وكانت المفاجأة سارة بحق لكل من يعتبر أن تمسك العراق بعروبته يمثل إضافة مهمة للأمن القومى العربي، فالعراق دولة كبيرة.عقب الاجتماع الأخير للزعماء الثلاثة تطرقت عدة آراء لتحليل هذا التطور وذهبت فى اتجاهات مختلفة يناقشها مقال اليوم ويعلق عليها. الاتجاه الأول ربط بين التقارب الثلاثى وتأزم النظام العربى بشكل عام وبنيته المؤسسية، أى الجامعة العربية بشكل خاص، واعتبر من هذه الزاوية أن تقارب مصر والعراق والأردن الذى بدأ اقتصادياً يمكن أن يتحول فى وقت لاحق إلى تجمع سياسى تنضم إليه دول مثل الجزائر وليبيا وسوريا ولبنان، وفى هذه الحالة فإنه قد يكون البديل العربى المؤقت والمرحلى فى حال بقاء الجامعة العربية على حالها. وفى سيناريو آخر ذهب هذا الاتجاه إلى أن التجمع الثلاثى قد يصبح تجمعاً فرعياً يرتبط بالجامعة العربية بهدف تحريك المياه الراكدة عربيا. وهكذا يتضح لنا أنه فى كلا السيناريوهين فإن هناك أملاً كبيراً معقوداً على التجمع الثلاثى الصاعد ليكون هو قاطرة العمل العربى المشترك أو طوق نجاة مما يجرى ويخطط له، والمقصود بهذه المخططات بناء نظام أمنى وسياسى شرق أوسطى على أنقاض النظام الإقليمى العربي. فى المبدأ أظن أن هذا الاتجاه ذهب أبعد كثيراً جداً مما ذهبت إليه الدول الثلاث عندما شرعت فى تفعيل علاقاتها الاقتصادية والتجارية وتنسيق مواقفها السياسية، فلا أظن زعماء مصر والعراق والأردن فكروا فى أن يتحول تقاربهم إلى طوق لإنقاذ النظام العربى من أزمته البنيوية خاصة فى ظل الظروف الراهنة، ومن غير الدقيق استحضار نموذج مجلس التعاون العربى الذى تكون عام 1989 بنفس هذه الأطراف بالإضافة إلى اليمن، فلقد كان للمجلس سياقه المختلف تماماً، إذ دعا إليه صدام حسين بينما كان يراوده حلم زعامة الوطن العربى وكان يخطط لاحتلال الكويت. أما فى التفاصيل فإن الدول التى تم ترشيحها لعضوية التجمع القاطرة هى أبعد ما تكون عن الالتحاق به، إذ يمكن السؤال عن أى سوريا أو أى ليبيا ستنضم لهذا التجمع بينما تتعرض كلتاهما لتهديد وجودى يكاد يعصف بها وبوحدة أراضيها؟!، كما توجد مشاكل فى قبول الجزائر الانضمام لهذا التجمع ومن غير المفهوم لماذا الجزائر وليس المغرب مثلاً؟!، أما لبنان فأظنه ليس فى وارد الانخراط فى تجمعات لأسباب كثيرة.

أما الاتجاه الثانى فى تحليل خطوة الاجتماع الثلاثى والمآلات المحتملة لتطور التنسيق المصرى العراقي- الأردنى فهو على النقيض من سابقه، بمعنى أن أصحاب هذا الاتجاه لا يقطعون بأن نجاحه سيمثل إنقاذاً للنظام العربى من الشرق أوسطية الأمنية والسياسية، بل هم يضعون احتمال أن يؤدى التنسيق الثلاثى إلى تكريس النظام الشرق أوسطي. وفى هذا الإطار لا يستبعد أنصار هذا الاتجاه أن يكون المشروع نسخة مزيفة من صفقة القرن باسم مهذب ليلقى قبولًا فى الشارع العربى بعد ضم إسرائيل!، وبذلك نفهم أن هناك مؤامرة وراء التنسيق الثلاثى تنتهى بفتح الانضمام إليه أمام إسرائيل، وكأن إسرائيل تحتاج هذا الباب لتمرير صفقة القرن أو كأنها تحتاج التخفى خلف ستار وهى تمارس التطبيع. وحتى عندما وضع أنصار هذا الاتجاه احتمال أن يتمسك التحالف برفض التطبيع فإنهم أكملوا الجملة بالقول بدون حل يرضى الفلسطينيين، أى أن الهدف من رفض التطبيع هو الاستهلاك المحلى لا أكثر. مرة أخرى يتم استدعاء تجربة مجلس التعاون العربى والتحذير من تكرارها عندما أقام الطاغية صدام حسين هذا المجلس لغزو الكويت بعد عام من قيامه! والمقصود إذن هو اتعاظ الدول الثلاث من تجربة التسعينيات وكبح أى أطماع توسعية قد تراودها!

إن التقارب المصري- العراقي- الأردنى هو محاولة جادة لإيجاد أرضية للتلاقى بين ثلاث دول لها مصالح مشتركة ورؤى متناغمة، بحيث لو نجحت فى تحقيق هذا الهدف لكان ذلك إنجازاً كبيراً يُحسَب لها، لكن التقارب الثلاثى ليس تحالفا وليس شامياً أيضا بالمناسبة كما يشاع، وليس من المصلحة أن يكون تحالفاً، لأن العرب لهم خبرة طويلة سيئة مع التحالفات، ربما تتاح الفرصة لاستعراضها فى مقال الأسبوع المقبل. إن التقارب الثلاثى هو نقطة ضوء لا نهوّن منها بالتأكيد خصوصاً فى ظل الوضع العربى الراهن، لكن كذلك لا نهوّل فيها أو نضخّم منها فنستعدى عليها خصومها ونؤلب ضدها كل من يؤذيهم الضوء .


لمزيد من مقالات د. نيفين مسعد

رابط دائم: