رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصر أم الدنيا (2)

لم يكن العالم فقط هو الأرض والطبيعة والجغرافيا، ولكنه الإنسان. وبقدر فاعلية الإنسان فى مكان ما على الأرض بقدر ما تكون الحضارة والحياة. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذى يدرك، وقد أعطاه اللـه أن لا يحيا فقط ويموت ولكنه لكى يعمل ويتمم إرادة اللـه فى تدبير الحياة.

يقول جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر»: لمصر أطول تاريخ سكنى معروف، وهو بالطبع تاريخ مفعم بقدر ما هو مطول، زاخر بالتقلبات والذبذبات، حافل بالتجارب والأساسيات، وذلك بحق يجعل مصر صاحبة أطول تجربة سكانية فى العالم، ولم تكن مجرد هجرة بل استقرار وإقامة.

وللنيل قصة قديمة فى مصر، كان النيل عبارة عن مجموعة نهرية جرى اصطلاح تسميتها تاريخيا (Ur.Nil) أى ما قبل النيل.

وتعرضت مصر لعصور أمطار طويلة ثم عصر الاستقرار، حيث سكن المصريون القدماء، وهم حسب الدراسات الحديثة ــ لا يزالون إلى اليوم فى مصر.

وأول إشارة للوجود البشرى الحضارى كانت فى مصر، فحسب الاكتشافات لعصور ما قبل التاريخ، أى ما قبل تدوين تاريخ الحضارة المصرية ويسمى عصر الأسرات 3200 ق.م. وقبل هذا ينقسم التاريخ إلى عصر ما قبل الحجرى ثم العصر الحجرى، حيث استخدام الإنسان للحجر كأدوات حياتية فى الزراعة والصيد وأدوات الأكل والشرب. ثم عصر استخدام المعادن أو الحجرى الحديث، حيث اكتشف النحاس وبدأ فى عصر المدنية فى أماكن مختلفة فى مصر. وأصبح المصرى يعيش فى أماكن من صنع يديه بدلا من الكهوف، وعرف صناعة الفخار، وبدأ يرسم ويدون بالصور الحياة البدائية. وظهرت أماكن حضارية بدائية وهذا فى الألف السادسة قبل الميلاد. فاكتشف فى مصر تجمعات حضارية فى البدارى ودير تاسا بجوارها، ونقادة والفيوم وبنى سلامة بالدلتا وحلوان. وبالطبع كان هناك أماكن فى العالم خارج مصر فيها تجمعات بشرية، ولكن ما يكتشف يدعو للفخر فقد كشفت فى كهوف فى جنوب إفريقيا تمثال لإيزيس، وقد وجدت آثار تجمعات بشرية فى سوريا وما بين النهرين فى العراق.

وفى العصر الحجرى حدثت هجرة جماعية من مصر إلى الشام والعراق وصنعوا حضارة تسمى الناتوفيان وهو مصطلح أخذ من حفريات وجدت فى وادى الناطوف شمال غرب القدس. فحضارة الناتوفيان ابنة مباشرة لحضارة مصر حتى فى العصر الحجري. وهاجرت جماعة أخرى إلى شمال إفريقيا. ووجدت بعد ذلك فى حفريات أماكن حضارية فى العالم فى الألف الخامسة قبل الميلاد الحضارة السومرية أو حضارة الرافدين، وحضارة فى الصين على طول خط نهرى الأصفر ويانجتسي، ثم تجمعات ما يسمى بالجنس الآرى فى أوروبا الشمالية، وحضارة فى اليمن وسبأ.

إلا أن الحضارة المصرية هى مصدر ونبع كل الحضارات الحديثة، فنظرية فيثاغورث الإغريقى مأخوذة عن حضارة مصر. والنظرية تنص على أن فى المثلث القائم الزاوية يكون مربع الوتر المقابل للزاوية القائمة يساوى مجموع مربع الضلعين الآخرين. وقد استخدم أجدادنا هذه النظريات فى البناء الهندسى وقد تعلمها العالم من حضارتنا. ونظرية أرشميدس المستخدمة فى رفع المياه المسماة بطلمبة أرشميدس هى الطنبور المصرى القديم والموثق على حوائط مقابر أجدادنا قبل أرشميدس بنحو ألف عام.

وحينما أراد الإغريق أن يبنوا معابدهم وقصورهم ومقرات الحكم استوحوا أبنيتهم من الطراز المصرى القديم للمعابد وسميت بالطراز البازيليكى وهو مصطلح يونانى يعنى القاعة الملكية وكان فى القرن السابع قبل الميلاد. وكانت عيون العالم كله تتجه إلى مصر لعلاجهم من أمراضهم ويترجون أجدادنا أن ينقذوهم. ففى رسائل تل العمارنة أرسل أمير ميتانى يطلب من أخناتون أن يرسل طبيبا مصريا لعلاجه.وكان هناك أطباء للمناجم والمحاجر، واستخدموا التخدير فى عمل العمليات الجراحية. بل أول من عملوا جراحات للعيون والمياه البيضاء. وكانوا متقدمين فى طب الأسنان، ففى إحدى المومياوات وجدوا أسنانا تعويضية مزروعة فى الفك. ومنذ عام 4000 ق.م عرفوا نوع الجنين للمرأة الحامل، وأول من اخترعوا الحقن لإدخال السوائل فى الرأس. وأول من اخترع الخيوط الجراحية.وبالطبع الإعجاز الطبى للعالم كله إلى اليوم وهو التحنيط عرفوه منذ عام 3400 ق.م. وأول طبيبة فى التاريخ هى ميريت بتاح فى الأسرة الثالثة أى عام 2700 ق.م وكانت بمثابة وزيرة الصحة.واكتشف العالم الفرنسى نيكولاى أندريا مومياء وقد وضع فى الركبة لها مسمار معدنى طويل، تلك العمليات التى تعد معقدة اليوم. بل على مستوى السياسة أول تنظيم للدولة وأول جيش نظامى بل وأول ثورة فى العالم كانت مصرية قامت ضد بيبى الثانى, واستمرت فترة من الزمن. وقد كانت نتيجة تردى الأوضاع المعيشية، ومحاولة حكام الأقاليم توريث وظائفهم لأولادهم، وشابت القضاء المحسوبية وعدم العدل، واستغل أصحاب الوظائف الكبرى الشعب فى أعمال السخرة، وأصبح هناك صراع طبقي، واستولى كبار الكهنة على أموال المعابد، وفرضت ضرائب باهظة. فهجم الجياع على المعابد ونهبوا القبور، ونهبت أيضاً ممتلكات الحكومة، وقتل الموظفون الكبار.

ويقول نبو: أصبحت البلاد ملأى بالعصابات حتى إن الرجل كان يذهب لحرث أرضه ومعه درعه. وتعرضت البلاد للغزو من قبائل فى الشرق والغرب، ووصف نفر أحد كهنة عين شمس الأوضاع: لقد ضاعت بلادنا، أحجبت الشمس فلم تسطع علينا بنورها، وجف النيل، وكل ما كان جميلاً أصابه الدمار. فتحرك الأعداء ودخلوا البلاد. وانقسمت مصر إلى دولتين احداهما فى طيبة والأخرى فى أهناسيا. ولم تهدأ البلاد إلا بعد تولى أمنمحاتالحكم.

إنها مصر حقاً أم الدنيا.


لمزيد من مقالات القمص. انجيلوس جرجس

رابط دائم: